للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخفَّف اللَّه تعالى عن هذه الأمة فرفع عنها (١) المؤاخَذةَ، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (٢)، فدل أنهم مخصوصون بها، والأمم السالفةُ كانوا مؤاخَذين بذلك (٣).

وقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا}: أي: ثِقْلًا، وجمعُه: الآصار، قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [الأعراف: ١٥٧] وهو العباداتُ الشاقَّةُ، والعقوباتُ العظيمة، والأحكامُ الشديدة، وما كان يظهر على جباههم وأبوابِ دُورهم من ذنوبهم التي أَخفَوها.

وقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}: أي: لا تكلِّفنا ما يَشُقُّ علينا الدوامُ عليه، ولم يُردْ به عَدَم الطاقة أصْلًا فإنه لا يكون فلا يُسأل، وهو كقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "للمملوك طعامُه وشرابُه وكسوتُه، ولا يكلَّفُ من العمل ما لا يُطيق" (٤).

وقيل: أي: ما يَشُقُّ علينا من الدوامِ عليه، وقوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} [هود: ٢٠]؛ أي: كان يَشُقُّ عليهم ذلك، لا أنهم لم يستطيعوها أصلًا.


(١) في (ف): "فيها".
(٢) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٣/ ٩٥)، وابن حبان في "صحيحه" (٧٢١٩)، والحاكم في "المستدرك" (٢٨٠١)، وابن حزم في "الإحكام" (٥/ ١٤٩)، من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما بلفظ: "إن اللَّه تجاوز عن أمتي. . . " وصححه الحاكم وابن حزم. وقد أعله أبو حاتم كما في "العلل" لابنه (١/ ٤٣١) لكن بعلة غير قادحة كما قال الحافظ في "الفتح" (٥/ ١٦١). ورواه ابن ماجه (٢٠٤٥) بلفظ: "إن اللَّه وضع عن أمتي. . . "، لكن في إسناده انقطاع كما استظهر البوصيري في "الزوائد".
(٣) في (ف): "كانوا مأخوذين فيهما".
(٤) رواه مسلم (١٦٦٢) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.