للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يكلِّف نفسًا إلا وسعها؛ أي: إلا (١) طاقتها، ولكلِّ نفسٍ ثوابُ ما أطاعت، وعلى كلِّ نفسٍ عقابُ ما عصت. فإنَّ ما قبلها وما بعدها كلامهم.

ويجوز أن يتخلَّل بين كلامي المؤمنين إخبارٌ من اللَّه عز وجل بذلك، ويكون الكلامُ بالمخاطبة والمغايَبة، واعتراضُ الكلام قبل التمام في القرآن كثير، وهو في كلام البُلغاء موجودٌ.

ومعنى الآية: لا يأمر اللَّه عبدًا بما ليس في طاقته، ولكلِّ نفسٍ ثوابُ ما عملت من خيرٍ وعليها عقابُ ما عملت من شرٍّ (٢).

والكسبُ والاكتسابُ كلُّ واحدٍ منهما يَصلح إطلاقُه في عمل الخير والشر، قال تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا} [النساء: ١١١] {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} [البقرة: ٨١]، وإنما غايَر بين اللفظين عند ذكر عملَين لأنه أعذبُ في السماع (٣)، وإنما جُعل الكسبُ في الخير والاكتسابُ في الشر لأن الافتعالَ فيه زيادةُ تكلُّفٍ على الفعل، والذنبُ لا يؤتَى إلا بزيادةِ جهدٍ من العبد وتكليفٍ من النفس، فأما الخير فعقلُه (٤) ودِينه والمؤمنون والصالحون، والمعاني الغالبة له جالبةٌ.

وقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}: أي: يقولون، ودل هذا على جواز المؤاخَذة في النسيان والخطأ، فإن التحرُّز عنهما في الجملة ممكنٌ، ولولا جوازُ المؤاخَذة في النسيان والخطأ بهما لم يكن للسؤال معنًى.


(١) "وسعها أي إلا" من (ر).
(٢) في (ر): "سوءٍ".
(٣) وقع بعدها في (أ) سقط بمقدار ورقة كاملة، وسنذكر نهايته في موضعها.
(٤) في (ر): "ففعله".