للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلمَّا أتى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الخبرُ من السماء في القضاء فيما بينه وبينهم، وأمرُه بملاعَنتهم إنْ رَدُّوا عليه ذلك، دعاهم إلى ذلك فقالوا: يا أبا القاسم! دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيكَ بما نريدُ أن نفعلَ.

فانصرفوا عنه ثم خَلَوا بالعاقب -وكان ذا رأيهم- فقالوا: يا عبد المسيح! ما ترى؟ فقال: واللَّه يا معشرَ النصارى لقد عرفتُم إن محمدًا لنبيٌّ مرسلٌ، ولقد جاءكم بالفصل من خبرِ صاحبكم، ولقد علمتُم ما لاعَنَ قوم نبيًّا فبقِيَ كبيرُهم ولا نَبَت (١) صغيرهم، وإنه الاستئصال منكم إنْ فعلتم، فإنْ كنتُم قد أبيْتُم إلا إلْفَ دينكم والإقامةَ على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادِعوا الرجل ثم انصرِفوا إلى بلادكم.

فأتَوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: يا أبا القاسم! قد رأينا ألَّا نلاعِنَك، وأنْ نتركك على دينك ونرجعَ على ديننا، ولكن ابعث معنا رجلًا من أصحابك ترضاه لنا يَحكم بيننا في أشياءَ قد اختلفنا فيها من أموالنا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ائتوني العشيَّةَ أبعثْ معكم القويَّ الأمين".

قال: فكان عمر يقول: ما أحببتُ الإمارة قطُّ قبل يومئذٍ رجاءَ أن أكون صاحبَها، فرحْتُ (٢) إلى الظهر مهجِّرًا، فلمَّا صلَّى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهرَ سلَّم (٣) ثم نظر عن يمينه وعن شماله، وجعلتُ أتطاوَلُ له ليراني، فلم يزل يلتمسُ ببصره حتى رأى أبا عبيدة بنَ الجرَّاح، فدعاه فقال: "اخرُجْ معهم فاقْضِ بينهم بالحقِّ فيما اختلَفوا فيه"، قال عمر رضي اللَّه عنه: فذهب بها أبو عبيدةَ (٤).


(١) في (ر): "ثبت"، والمثبت من (ف) و"السيرة".
(٢) في (ف): "فخرجت"، والمثبت من (ر) و"السيرة".
(٣) في (ف): "وسلم"، والمثبت من (ر) و"السيرة".
(٤) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٥٨٣ - ٥٨٤).