للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صنع بنا هؤلاء القوم؛ شرَّفونا وموَّلونا وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافَه، فلو فعلْتُ نزعوا منَّا كلَّ ما تَرى، فأَضمر عليها منه أخوه كُرْزٌ حتى أسلم بعد ذلك، فهو كان يحدِّث بهذا الحديث عنه (١).

وكان أسماء الأربعةَ عشرَ: العاقبُ وهو عبدُ المسيح، والسيدُ وهو الأيهَمُ، وأبو حارثةَ بنُ علقمةَ، وكُرزٌ والحارثُ وزيدٌ وقيسٌ ويزيدُ ونُبيهٌ وخويلد وعمروٌ وخالدٌ وعبدُ اللَّه ويُحنَّسُ.

فكلَّم رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم أبو حارثةَ والعاقبُ والسيدُ، وهم على النصرانية على اختلاف من أمرهم؛ يقولون: هو اللَّه، ويقولون: هو ولدُ اللَّه، ويقولون: هو ثالثُ ثلاثةٍ، ويحتجُّون لقولهم: هو اللَّه، بأنه كان يُحيي الموتى ويُبْرِئُ الأسقامَ ويُخبر بالغيوب، ويَخلق من الطين كهيئةِ الطير فينفخُ فيه فيطيرُ، ويحتجون لقولهم بأنه ولد اللَّه بأنه لم يكن له أبٌ يُعْلم، ويحتجُّون لقولهم: ثالثُ ثلاثةٍ، بقول اللَّه: فعلنا وقضينا، ولو كان واحدًا لقال: فعلتُ وقضيتُ، ففي كلِّ ذلك من قولهم نزل القرآن.

فلمَّا كلَّمه الحَبْران قال لهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَسْلِما" فقالا: قد أسلمنا، فقال: "قد كذَبْتُما، يمنعُكما عن (٢) الإسلام دعواكُما (٣) للَّهِ ولدًا، وعبادتُكما الصليبَ، وأكلُكما الخنزيرَ"، قالا: فمَن أبوه يا محمد؟ فصمَتَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يجبهما، فأنزل اللَّه تعالى في ذلك من قولهم واختلافِ أمرهم صدرَ سورةِ آل عمرانَ إلى بضعٍ وثمانين آيةً منها إلى قصة المباهلة (٤).


(١) وقد روى عنه البيهقي في "دلائل النبوة" (٥/ ٣٨٢ - ٣٨٣) هذا القدْر من الخبر إلى هذا الموضع.
(٢) في (ف): "من".
(٣) في (ف): "دعاؤكم".
(٤) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٥٧٣ - ٥٧٦)، و"تفسير الطبري" (٥/ ١٧٢ - ١٧٤). وهذا القدْر من الخبر هو الذي رواه الطبري.