للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سبيل اللَّه، وهم لا كثرةَ فيهم ولا شوكةَ، وهم أصحابُ محمَّدٍ {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ}؛ أي: والطائفةُ الأُخرى كافرةٌ باللَّه ورسوله، وهم كفَّار قريشٍ أبو جهلٍ وأصحابُه، وكانوا تسعَ مئةٍ وخمسينَ رجلًا، وقادوا مئةَ فرسٍ، وساقُوا سبعَ مئةِ بعيرٍ، وفيهم مئةُ فارسٍ درَّاعٍ، وفي الرَّجَّالة راعون (١)، والمسلمون ثلاثُ مئةٍ وثلاثةَ عشرَ؛ بين كلِّ أربعةٍ منهم بعيرٌ، ومعهم ستُّ أدرعٍ وفَرَسانِ، ففي ذلك عبرةٌ لمَن اعتبر حيث غلَب القليلُ الكثيرَ.

وقوله تعالى: {تَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ}: قراءة نافعٍ بتاء المخاطبة؛ أي: تَرَون يا معشرَ اليهود أنتم المشركين مِثْلَي المسلمين، وهذا لم يكن رؤيةَ عيان؛ لأنَّهم لم يكونوا شهودًا، لكنَّه بمعنى العلم كأنَّهم عَلموا بالفريقين.

وقرأ الباقون بياء المغايبة (٢)؛ أي: المسلمون يَرَون المشركين مِثْلَي أنفسِهم، ولم يُرِدْ به قصرَ العدد على مِثْلَي عددِ المسلمين على الاستواء، فقد كان المسلمون ثلاثَ مئةٍ وثلاثةَ عشرَ، والمشركون تسعُ مئةٍ وخمسون، وهذا أكثرُ مِن ثلاثة أمثاله، لكن له وجوهٌ:

أحدها: أنَّه لا يُراد بمثل هذا الكلام إلَّا التَّضاعُفُ، وذاك بزيادةٍ عليه، مِثْلَه كان أو مِثْليه أو ثلاثةَ أمثاله، خصوصًا في حقِّ مَن نظَر في الفئتين نظرًا واحدًا فعرف الكثرةَ دون إحصاءِ (٣) العددين حقيقةً، وكذا فيما يُحصى قد يُطلق هذا، يقال له (٤): لا أَقضي حاجتَك وإنْ أَتيتني ألفَ مرَّةٍ، و: لا أَقبل عُذرَك وإن اعتذرتَ سبعينَ مرَّةً، قال تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠] ويكون للرَّجل ألفُ


(١) "راعون" كذا في (ر) و (ف)، ولعل الصواب: (دراعون).
(٢) انظر: "السبعة" (ص: ٢٠١ - ٢٠٢)، و"التيسير" (ص: ٨٦).
(٣) في (ف): "دون أن أحصى".
(٤) "له": من (ف).