للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

درهمٍ، فيقول: إنِّي أَحتاج (١) إلى مثلِه، يريد أنَّه يَحتاج إلى ألفين، ولو قال: إلى مِثْليه، كان محتاجًا إلى ثلاثة آلاف.

ووجهٌ آخَرُ: أنَّ اللَّهَ جلَّ جلاله أَرى المشركين في أعين المسلمين ضعفَهم بلا زيادةٍ؛ تشجيعًا لهم على قتالهم، إذ لو وقع عندهم أنَّهم بأضعافهم فربَّما هابوا، وكانوا لا يمتنعون عن قتال ضِعْفهم (٢)، كقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} [الأنفال: ٦٦].

وقيل: إنَّ كلَّ واحدةٍ مِن الفئتين رَأَت أنَّها في العدد مثلَ الفئة الأخرى؛ ليُقدِم بعضُهم على بعض، ولو رأى المسلمون المشركين على عددِهم لم يُؤمَن فشلُهم، ولو علم المشركون بعدد المسلمين لم يُؤمَن نكولُهم (٣)، فقلَّل كلَّ فئةٍ عمَّا كانت عليه في عيون الأخرى، كما قال تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: ٤٤].

وقال ابنُ مسعودٍ رضي اللَّه عنه: لقد قُلِّلوا في أعيننا يوم بدرٍ حتى قلتُ لرجلٍ كان إلى جَنْبي: أَتُراهم سبعينَ؟ قال: أُراهم مئةً، فأخذنا رجلًا منهم فقلنا: كم كُنتم؟ قال: كنَّا ألفًا (٤).


(١) في (ف): "محتاج".
(٢) في (ف): "وكانوا يمتنعون عن القتال"، ولها وجه بالنظر لما قبلها، لكنها لا تستقيم باعتبار ما بعدها.
(٣) قوله: "ولو علم المشركون بعدد المسلمين لم يُؤمَن نكولُهم"، فيه نظر؛ لأنَّهم لو علموا عدد المسلمين على الحقيقة لازدادوا رغبة في القتال لأنهم أضعافهم، فهم في تلك الحالة أبعد ما يكون عن النكول.
(٤) رواه أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (٤٢٤٧)، والطبراني في "الكبير" (١٠٢٦٩)، والبيهقي في "الدلائل" (٣/ ٦٧)، جميعهم من طريق أبي عبيدة عن ابن مسعود. قال الحافظ: هذا إسناد صحيحٌ، إنْ كان أبو عُبيدةَ سمعه من أبيه، فقد اختُلِفَ في سماعِه منه.