للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إنَّه مَن هو، لَمَا عرفوا مَن هو، ولكنِ العلماءُ يَشهدون بصحْوِ عقولهم، والموحِّدون يَشهدون بَعْد خمودهم، فهم كما قيل:

مُستهلَكون بقهرِ الحقِّ قد همَدوا... واستُنْطِقوا بعدما أُفنوا بتوحيدِ (١)

فالمجري (٢) عليهم ما يبدو منهم سواهم، والقائمُ عنهم كما هم عليه وبه غيرُهم، ولقد كانوا لكنَّهم بانوا، قال قائلهم:

كتابي إليكم بعد موتي بليلةٍ... ولم أدرِ أنِّي بعد موتي أكتبُ

وأولو العلم على مراتبَ: فمِن عالمٍ يَعرف أحكامه حلالَه (٣) وحرامه، وعالمٍ يعلم أخباره [و] سُننَه وآثاره، وعالمٍ يحفظ كتابه ويعرف تفسيره وتأويله ومحكَمَه وتنزيله، وعالمٍ يعلم صفاته ونعوتَه، ويوضح (٤) حُججه وتوحيده، وعالمٍ لاطفه حتى أَحضره (٥)، ثم كاشَفَه فقهره، فالاسمُ باقٍ والعين محقٌ والحكم طارٍ والعبد محوٌ (٦).

وقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}: أي: وما اختلف في دينِ اللَّهِ الإسلامِ اليهودُ والنصارى الذين أُعطوا علمَ التوراة والإنجيل إلَّا مِن بعد ما جاءهم البيِّنات؛ أي: اختلافُهم ليس لقصورٍ في البيان، ولا لغموضٍ في الحجج، بل حججُ التوحيد (٧) ظاهرة، ودلائلُه واضحة قاهرة.


(١) في (ر): "بتوحيده"، وفي (ف): "بتوحيدهم"، ولفظ "اللطائف": (بعد افتنائهم بتوحيد).
(٢) في (ر) و (ف): "والمجري". والمثبت من (أ) و"اللطائف".
(٣) في (ف): "أحكامه وحلاله"، وفي "اللطائف": (أحكام حلاله).
(٤) في (أ): "وتوضيح". وفي "اللطائف": (ويستقوي).
(٥) في (ر): "أظهره". والمثبت من باقي النسخ و"اللطائف".
(٦) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٢٢٦ - ٢٢٧).
(٧) بعدها في (ف): "فبيناته"، استدركت في الهامش.