للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {بَغْيًا بَيْنَهُمْ}: قال الأخفش: هو مقدَّمٌ، وتقديره: وما اختلف فيه بغيًا بينهم إلَّا الذين.

والبغيُ: هو طلبُ (١) الاستعلاء بالظُّلم؛ أي: عانَدوا الحقَّ وأعرضوا عن التدبُّر؛ حسدًا للرُّسل والمؤمنين، وطلبًا للرئاسة، وإرادةً للتعزُّز والتعظُّم على الآخرين.

وقيل: وما اختَلف في محمَّدٍ إلَّا أهلُ الكتاب بعد وقوعِ العلم لهم به بما في كتابهم مِن ذِكْره، وفعلوا ذلك حسدًا له، إذ كان مِن بني إسماعيل وهم مِن بني إسحاق، وفي ذلك قولُه تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: ٨٩]، وقوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]، والجحودُ إنكارٌ بعد المعرفة، وحَسَدُهم أَنَّهم كرهوا متابعةَ الفقراء الذين سبقوهم بالإيمان، قال تعالى خبرًا عنهم: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: ٥٣].

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ}: أي: الكتبِ والرُّسل، وعلى القول الثاني: بمحمَّد والقرآن.

وقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}: أي: فإنَّه سيصير إلى اللَّه سريعًا؛ فيحاسبُه ويجازيه على كفره.

وقيل: {سَرِيعُ الْحِسَابِ} في معنى: شديد العقاب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "مَن نُوقِش الحساب عُذِّبَ" (٢).

* * *

(٢٠) - {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}.


(١) "طلب": من (أ).
(٢) رواه البخاري (٦١٧١)، ومسلم (٢٨٧٦)، من حديث عائشة رضي اللَّه عنها.