للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم إنَّ اللَّه تعالى ذَكر قَبولها منها، وذلك لضعفها وصِدق نيَّتها في الابتداء، وحيائها في الانتهاء، وكان في ذلك الزمانِ أربعةُ آلافِ محرَّرٍ لم يَشتهر خبرُ واحدٍ (١) منهم اشتهارَ خبرها.

وفيه تنبيهٌ للعبد على أنْ يَرى مِن نفسه التقصيرَ بعد جهدها ليَقبل اللَّهُ عملَها، لإظهارها إفلاسَها، وإضمارِها إخلاصَها.

وقوله تعالى: {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}؛ أي: أنشأها تنشئةً حسنةً، وغذَّاها تغذيةً صالحةً، وربَّاها تربيةً طاهرةً (٢)، وهو مشبَّه بإنبات النباتِ وتقويتِه وتربيتِه.

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: يحتمِلُ أنَّ ذلك أنْ لم يَجعل للشيطان عليها سبيلًا، ويحتمل أنَّه أنْ (٣) لم يَجعل رزقَها وكفايتَها بيد أحدٍ مِن خلقه، بل تولَّى ذلك ببَعثه إليها مِن ألوان الرِّزق؛ كما قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: ٣٧] (٤).

وقال الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه: القَبول الحَسَن: أنْ (٥) تولَّى اللَّهُ أمرَها على وجهٍ يَعجب العالَمون منها، وأنبتها نباتًا حسنًا بلَّغها فوقَ ما تمنَّت أمُّها، وربَّاها على نعتِ العصمة حتى قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ} [مريم: ١٨] ووفَّقها حتى استقامت على الطاعة؛ فكان لا يَدخل عليها زكريا إلَّا وجدها في المحراب، وجعَل كافلَها مثلَ زكريا، ولم يَكِلْ أمرَها إلى غيره، ولم يَطرح مؤنتَها على زكريا،


(١) في (ف): "أحد".
(٢) "طاهرة" من (ف).
(٣) "إن" من (أ).
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٢/ ٣٥٩).
(٥) في (ر) و (ف): "إذا".