للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واختلفوا بعد ذلك في المراد بهذا الحديثِ على أربعة أقاويلَ:

فقال بعضهم: معناه: أنَّ أحدَ الاسمَيْن أدلُّ على زيادةِ لطفٍ، لا يُفهَم ذلك مِن الاسمِ الآخَر.

وقالوا: لا يُعرَف (١) ذلك الاسمُ على التعيين؛ لوجودِ الإبهامِ وعدمِ التبيين.

وقال سعيد بنُ جبير: هو الرَّحمن؛ لأنَّه يعمُّ الكافرَ والمؤمنَ جميعًا، قال اللَّه تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦]، وقال: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا} [البقرة: ١٢٦].

وقال وكيع بنُ الجراح: هو الرَّحيم؛ لأَنَّه يَشمل المؤمنَ في الدنيا والآخرةِ؛ أمَّا (٢) في الدنيا فظاهرٌ، وأمَّا في الآخرة فغفرانُ ذنوبهم وإدخالُهم (٣) الجنَّة، قال اللَّه تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣]، وقال: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب: ٤٧].

وقال قائلون: معناه: أنَّ كلَّ واحدٍ منهما أرقُّ مِن الآخَر؛ على معنى: أنَّ في كلِّ واحدٍ مِن الاسمين معنًى يُفهَم منه ما لا يُفهَم ذلك مِن الآخَر، بحيث لا يمكن تفضيلُ أحدِهما على الآخَر، وذلك فيما حكينا مِن الأقاويل.

وقال ثعلب: الرَّحمنُ أمدحُ مِن الرحيم، والرَّحيم أرقُّ مِن الرحمن.

وقال جعفر بنُ محمد الصادق: الرَّحمنُ خاصٌّ في التسمية عام في الفعل، والرَّحيم عامٌّ في التسمية خاصٌّ في الفعل (٤).


(١) في (ف): "نعرف".
(٢) في (ف): "فأما".
(٣) في (ف) و (أ): "فغفران ذنوبه وإدخاله".
(٤) أورده البيهقي في "الأسماء والصفات" (٨٥) عن عبد الرحمن بن يحيى.