للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو كقول الرجل إذا افتَضَحَ مِن الشَّيء: ليتَ الأرضَ أخذَتني وخُسِف بي فيها، ولم تَنلْني هذه الفضيحةُ، وقد أخبَرَ اللَّهُ عن خزيِهم يومئذٍ، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة: ١٢]، {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} [الشورى: ٤٥].

وقيل: يَودُّون ما يعدلُ بهم ما في الأرضِ من شيءٍ فديةً، وهو كما قال تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} إلى قوله: {ثُمَّ يُنْجِيهِ} [المعارج: ١٤].

وقوله تعالى: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} قيل: هو متَّصِلٌ بقوله: {لَوْ تُسَوَّى}، والتَّمنِّي واقعٌ عليهما.

قال عطاء: لو تنطبقُ عليهم الأرضُ ولم (١) يكونوا كَتموا أمرَ محمَّدٍ، ولا كفروا به (٢)، ولا نافقوا.

وقيل: هذا وصفُ حالهم يومئذٍ على الابتداء: أنَّهم لا يكتمون اللَّهَ شيئًا مِن حديثِهم الذي كانوا عليه، بل يُصدِّقونَ أنبياءَهم فيما شَهدوا عليهم مِن الكُفر والمعاصي، قال تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ} [الملك: ١١]، فأمَّا قولُه تعالى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣]، فقد قيل: معناه: ما كنَّا عند أنفسِنا مشركين، بل توهَّمنا بإضلال الشيطانِ أيَّانا أنَّا مِن الموحِّدين، وكذا قوله تعالى: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} [النحل: ٢٨]؛ أي: كنَّا نَظن أنَّا محسنون.

وقيل: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}؛ أي: عَلِمَ اللَّهُ ما كان منهم في الدُّنيا، فلا يَسألُهم ليكتموه، وهو كقوله جلَّ جلالُه: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: ٣٩]؛ أي: لا يُسألون: ما عملتم؟ لعلمِ اللَّه تعالى به.


(١) في (ف): "ولا".
(٢) لفظ: "به" من (أ).