للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: يجحدون في الآخرة أوَّلًا، كما أخبرَ اللَّهُ تعالى عنهم، فإذا جَحدوا وشهِدَت جوارحُهم عليهم؛ افتَضَحوا، وودُّوا لو سُوِّيَت بهم الأرضُ، وألَّا يكونوا كتموا ذلك بجحودِهم.

وقال الحسنُ: إنَّها (١) مواطن، ففي موضعٍ لا يَتكلَّمون، {فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: ١٠٨]، وفي موضعٍ يتكلَّمون فيكذبون، ويقولون: ما كنا نفعل (٢)، وفي مواطن (٣) يَعترفون وفي موضعٍ يسألون الرَّجعة إلى الدُّنيا، وإنَّ آخرَ تلك المواطن أنَّ أفواهَهم تُختَمُ (٤)، وتَتكلَّم أيديهم وأرجلهم (٥).

وقيل: هذا وصفُ أهلِ الكتاب، كتموا أمرَ محمَّدٍ، وقد علموا به في التَّوراة، قال تعالى: {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: ٣٧]، وكتابُ اللَّه فضلُه وحديثُه، قال تعالى (٦): {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر: ٢٣]، يقول: يَودُّون يومئذٍ لو تُسوَّى بهم الأرضُ، ولم يَكتموا في الدُّنيا ما أنزلَ اللَّهُ مِن حديثِه، ومن كتمَ شيئًا من كتاب اللَّهِ، جازَ أن يُقالَ له (٧): كتمَ اللَّه؛ أي: كتم عباده (٨)، وهو كقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: ١٤٠]، وكتمتُ فلانًا، وكتمتُ منه؛ بمعنى.


(١) بعدها في (ر): "م".
(٢) رسمها في (أ): "نعقل"، ولعل صوابه: "ما كنا نعمل" كما في "تفسير الثعلبي".
(٣) في (ر) و (ف): "موضع".
(٤) في (ف): "خرست".
(٥) "تفسير الثعلبي" (٣/ ٣١١).
(٦) في (ر): "وقوله"، وفي (ف): "وقول".
(٧) لفظ: "له" من (ف).
(٨) في (ف): "كتم اللَّه عباده"، وبعدها فيها: "أي: منهم".