للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} الجُنُب: الذي خالطَ أهلَه، أو خرجَ منه منيُّه بشهوةٍ واحتلام، ويَستوي فيه الذَّكرُ والأُنثى، والواحدُ والتَّثنيةُ والجمع، لأنَّه على صيغة المصدر، كالنُّكْر والنَّذْر (١) بمعنى الإنكار والإنذار، وقد أجنبَ إجنابًا، أي: صار جُنُبًا، سُمِّيَ به؛ لأنَّه يُجَنَّبُ عن المسجدِ والقراءةِ والصَّلاة ونحو ذلك، وهو نصبٌ على الحال؛ أي: لا تَقربوا المساجدَ وأنتم مجنبون، والجُنُبُ للجمع هاهنا.

وقوله تعالى: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} العبورُ: المرور، وقد عبرَ النَّهرَ عبورًا، وهو جمعٌ، وحذف النون للإضافة، وإعرابُه النَّصبُ بالاستثناء من الحال، أي: إلَّا أن تدخلوا المساجدَ للعبور (٢) لا للجلوس.

وقال الإمامُ أبو منصور رحمه اللَّه: إنَّما كُرِه للجُنُب أنْ يَستوطِنَ المسجدَ، فمروره في المسجد إذا لم يجلس فيه كقراءتِه بعضَ الآية إذا لم يُتِمَّها (٣).

وقيل في نزوله: إنَّ رجالًا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد، فكانت تصيبُهم جنابةٌ، ولا ماءَ عندَهم، فيريدون الماءَ، فلا يَجدون ممرًّا إلَّا في المسجد، فأنزلَ اللَّهُ تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} (٤).

وقال عليٌّ وابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهم في تأويل هذه الآية: أي (٥): لا تصلوا


(١) قال الفيروزآبادي في "القاموس" (مادة: نذر): أنذره ينذره إنذارًا ونَذْرًا ويُضم (يعني: نُذرًا)، وبضمتين (يعني: نُذُرًا).
(٢) في (أ): "للمرور".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ١٩١).
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (٧/ ٥٧) عن يزيد بن أبي حبيب.
(٥) في (أ): "أن".