للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} بيَّنَ أنَّ السُّكرَ هو أنْ يصيرَ بحالٍ لا يَعلمُ ما يَقول، وحدُّ السُّكرِ عند أبي حنيفة رحمه اللَّه: هو ألَّا يَعرف (١) الأرضَ مِن السَّماء، والرِّجالَ مِن النِّساء، وعند أبي يوسف ومحمد (٢) والشافعيِّ رحمهم اللَّه: هو أنْ يَختلِطَ كلامُه (٣).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: في الآية دلالةٌ أنَّ في الصَّلاة قولًا فرضًا، نهى عن قربانها في حالةِ السُّكر مخافةَ تركه، أو خوفًا (٤) أن يُدْخِلَ فيها قولًا ليس منها. وفيه دليلُ فساد الصَّلاة بالكلام عمدًا أو خطأ؛ لأنَّ السَّكرانَ غير عامد (٥).

وفيه دليلٌ على أنَّ الخطأ الفاحشَ في القراءةِ مفسدٌ للصَّلاة.

وفيه دليلٌ على أنَّ رِدَّةَ السَّكران ليست بِردَّةٍ، وهي حجَّةٌ على أبي يوسف رحمه اللَّه، فإنَّه يصحِّحُها كما يُصحِّحُ سائرَ تصرُّفاته، لكنَّ حديثَ قراءةِ بعضِهم سورةَ الكافرون بطرحِ اللاءات، مع أنَّ اعتقادها كفرٌ، ولم يكن كفرًا مِن ذلك القارئ، حيث كان سكران: دليلٌ على ما قلنا.

وفيه دليلٌ على أنَّه إذا جرى الكفرُ على لسانهِ خطأً مِن غير عمْدٍ، لم يكفر به، لأنَّ ما يَجري على لسان السَّكران خطأٌ، فعلى ذلك غيرُ السكران، وهذا لأنَّ الكفرَ بالقلبِ، واللِّسانُ معبِّرٌ عنه، وفي هذه الحالةِ لا يكونُ دليلًا على اعتقادِ القلب، فلم يُجعَل كفرًا (٦).


(١) في (أ): "يعلم".
(٢) لفظ: "ومحمد" من (أ).
(٣) انظر: "المبسوط" للسرخسي (٢٤/ ٣٠)، و"نهاية المطلب" للجويني (١٤/ ١٦٩).
(٤) في (ر): "وخوفًا".
(٥) في (ر) و (ف): "عاقل".
(٦) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ١٨٩ - ١٩٠).