للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والأظهرُ الأشهرُ هو الأوَّل، ونزولُها في شأن عبدِ الرَّحمن بنِ عوف، صنعَ طعامًا فدعا إليه أبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليًّا وسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنهم (١) أجمعين، فأكَلوا، وسقاهم خمرًا، وذلك قبل تحريمِها، فحضرَتْ صلاةُ المغربِ، فأمَّهم عبدُ الرَّحمن (٢). وفي روايةٍ: فأمَّهم رجلٌ مِن خيارِهم (٣)، وفي روايةٍ: فأمَّهم عليُّ بنُ أبي طالب رضي اللَّه عنه (٤)، فقرأ: "قل يا أيها الكافرون"، فطرح اللاءات، فنزلَت هذه الآيةُ.

وقد ذكرنا في سورة البقرةِ (٥) ترتيبَ الآياتِ في شأن (٦) الخمر، وأنَّها كيف حُرِّمَت قطعًا، وأنَّ هذه الحادثةَ كانت في وقتٍ لم يكن شربُها في غير أوقات الصَّلاةِ حرامًا، وذكرنا معنى هذا النهي.

وقال الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه: السُّكر: ذهابُ العقلِ، ولا تَصلحُ معه المناجاة مع الحقِّ، والمُصلِّي يُناجي (٧) ربَّه، فكلُّ ما أوجبَ للقلب الذُّهولَ عن اللَّه تعالى، فهو ملتحقٌ به، ومِن أجلِ هذه الجملةِ حصل السُّكرُ على أقسام؛ فسُكرٌ مِن الخمرِ، وسكرٌ مِن الغفلةِ لاستيلاءِ حبِّ الدُّنيا، وأصعبُ السُّكرِ سكرُك مِن نفسِك، فإنَّ مَن سَكِر مِن الخمرِ، فإن لم يُغفَر له، فقُصاراهُ الحرقةُ (٨)، ومَن سَكِرَ مِن نفسِه ففي الوقتِ على الحقيقةِ له القطيعةُ والفُرقةُ.


(١) وقع تفصيل أسمائهم في "تفسير مقاتل" (١/ ٣٧٣).
(٢) رواها الطبري في "تفسيره" (٧/ ٤٥).
(٣) قوله: "وفي رواية فأمهم رجل من خيارهم" من (أ).
(٤) رواها الطبري في "تفسيره" (٧/ ٤٦).
(٥) عند تفسير الآية (٢١٩) منها.
(٦) في (ر) و (ف): "شارب".
(٧) في (أ): "مناج".
(٨) في (أ): "الحرمة".