للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذكرَ قبلَه: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}، وعلى هذا التَّأويل يكون قوله جلَّ جلاله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} على حقيقة "أو"، مِن غير أنْ تُجعَل بمنزلة الواو، ومعناهُ: وإنْ كنتم جُنُبًا، أو مُحْدِثين مرضى أو مسافرين، فتيمَّموا لهما (١) جميعًا على صفةٍ واحدةٍ. وكذا رُويَ عن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما وابنِ مسعود وأبي مالكٍ والسُّدِّيِّ رضي اللَّه عنهم أنَّهم حَملوا الآيةَ على الجُنبِ الجريح (٢)، وأوَّلوها على هذا الوجه.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} العفوُّ: الكثيرُ العفوِ، وله معنيان:

أحدهما: التَّسهيلُ والتَّخفيف، قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عفوتُ لكم عن صدقةِ الخيلِ والرَّقيق" (٣)، ومعناه أنَّه خفَّف عليكم بإقامةِ الصَّعيدِ الطَّيِّبِ مقامَ الماءِ. وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ} بيانُ أنَّ سنَّتهُ كذلك في كلِّ عباده، وقوله تعالى: {غَفُورًا} أي: كثيرَ المغفرة للذُّنوب.

والمعنى الثاني: أنَّه الصَّفح والتَّجاوزُ، ويَرجِعُ إلى أوَّل الآية (٤): {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}؛ أي: مَن فعلَ ذلك، ثمَّ رجعَ عنه، عفى اللَّه عنه، وغفرَ له، ولم تزل سنته في عباده كذلك.

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: جعلَ اللَّهُ التيمُّمَ بدلًا عن الطَّهارةِ بالماء عند


(١) في (ف): "لها".
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" (٧/ ٥٩ - ٦٠) عن أبي مالك والسدي، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ٩٦٠) (٥٣٦٢) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٣) رواه أبو داود (١٥٧٤)، والترمذي (٦٢٠)، والنسائي في "الكبرى" (٢٢٦٨)، وابن ماجه (١٧٩٠)، (١٨١٣) من حديث علي رضي اللَّه عنه.
(٤) بعدها في (ر): "وهو قوله"، وفي (ف): "قوله تعالى".