للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بقولهم: {قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}، ولأنَّهم شهداء (١)، ولا تَصِحُّ الشَّهادةُ إذا زالَ العقلُ وخفيَ الحال، ولكن لهذا وجهان:

أحدهما: أنَّهم سُئلوا عن حقيقةِ إجابتِهم لهم بالضمائر، فقالوا: إنَّك لم تُطلِعنا على الضَّمائر والغيوب (٢)، فأنت أعلمُ بذلك.

والثاني: أنَّهم كانوا أحدثوا أمورًا مِن أنفُسهم وابتدَعوها، ونَسبوا ذلك إلى الرُّسل، كما قال: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ} الآية [المائدة: ١١٦]، فيقولون: لا علم لنا بذلك الذي ابتدَعُوه، ولم نأمرهُم بذلك (٣)، فيُقطع به احتجاجُهم، وإنْ لم يكن لهم الحِجاج.

وقيل: يجوزُ ذلك في أوَّلِ الوهلة؛ لأنَّ طبعَ الإنسان على أنَّه إذا رأى أمرًا مخوفًا دَهِشَ، وعلى ذلك خَرَّ (٤) موسى صَعِقًا حين دُكَّ الجبلُ، ويوم القيامة يُجاءُ بجهنَّم ولها زفير وتَغيُّظ، فلا يَبقى مَلَكٌ مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسلٌ إلَّا جثا بركبتيه، فلا يَبعُدُ أنْ يَلحقَهم دهشة حينئذٍ، ثمَّ تَزولُ، فيجيبون بما علموا (٥)، ويَشهدون على ما شاهدوا.

وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: يُكاشفهُم بنعتِ الجلال، فتَنْخَنِسُ (٦) فهومُهم وعلومُهم، حتَّى يَنطقوا بالبراءةِ عن تحقُّق العلمِ في الحال، وكذا يكون الحالُ غدًا، مَنْ قال بشيءٍ أو صال (٧) بشيءٍ ممَّا يكونُ نعتًا لمخلوق، فعند ظهور أوائل التَّعزُّر (٨)


(١) في (ف): "شهدوا".
(٢) بعدها في (ف): "فلهذا قالوا إنك أنت علام الغيوب أي".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٦٤٥).
(٤) في (أ): "خرور".
(٥) في (ر) و (ف): "عملوا".
(٦) في (أ): "فتنخس" وفي (ر): "فتنحبس"، والمثبت موافق للمصدر.
(٧) في "لطائف الإشارات": "مال".
(٨) في (ف): "التعذر"، وفي "لطائف الإشارات": "وابل التعزز".