أنَّ تلك السُّورةَ في ردِّ مقالات أهلِ الكتاب، وهذه السُّورة في ردِّ مقالات المشركين.
والثاني: أنَّ تلك السُّورةَ في بيان الأحكام، وهذه السُّورة في بيان التَّوحيد، وبهما تعبَّدَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ كلَّ خلقِه.
وانتظامُ أوَّلِ هذه السُّورةِ بآخرِ تلك السُّورة أنْ ختمَ تلك السُّورةَ بالملك، وفتح هذه السُّورةَ بالحمد، وقد قال تعالى:{لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ}[التغابن: ١]، وتقديرُه: أنَّ اللَّه الذي له ملكُ السَّماوات والأرض هو المستحقُّ للحمد.
وقوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} بسطنا الكلامَ فيه في أوَّلِ سورةِ الفاتحة، ومختصره هاهنا: الثَّناءُ للَّهِ تعالى على أفعاله كلِّها، والشُّكرُ للَّهِ تعالى على نعمِهِ كلِّها، والرِّضا منَّا له بقِسَمِه كلِّها، وهو الممدوحُ بالصِّفاتِ التي يَستحقُّها، ودلَّ على ذلك كلِّه الألفُ واللَّامُ في أوَّله، وهما لاستغراقِ الجنس.
قوله:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}؛ أي: بغيرِ عَمَدٍ مِن تحتِها، ولا عِلاقةٍ مِن فوقها، ولا سلسلةٍ مِن جوانبها، قوله:{وَالْأَرْضَ}؛ أي: الأرَضين (١)، وقد قال:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[الطلاق: ١٢]، واسمُ الجنس يَقعُ على الجمع.
وقولُه تعالى:{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}؛ أي: خلقَ ذلك كلَّهُ، وهو ردٌّ على الثَّنويَّةِ