للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأضِلَّ صاحبَك بمثلِه، ويقول شيطان الجنِّ لشيطان (١) الإنس كذلك، فذلك وحيُ بعضِهم إلى بعض (٢).

وقال قتادةُ: مِن الجنِّ شياطين، ومن الإنس شياطين، {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} (٣).

وقال مالك بن دينار: إنَّ شياطينَ الإنسِ أشدُّ عليَّ مِن شياطين الجنِّ، وذلك أنِّي أتعوَّذُ باللَّه ذهب شيطانُ الجنِّ عنِّي، وشيطانُ الإنسِ يَجيئُني، فيَجرُّني إلى المعاصي عيانًا (٤).

وقوله تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}؛ أي: يوسوِس ويخطرُ بالبال بزخارفِ الأقوال، والزُّخرف: الزِّينة؛ أي: يُزيِّنون لهم الكفرَ والمقام على دين الآباء، فيُفسِدون قلوبَ الضَّعفةِ بذلك، ويَمنعونهم عن الإيمان، وهذا غرورٌ مِن شيطان (٥) الجنِّ بالوسوسةِ والتَّمويه، ومن شياطين الإنس بالقبول، كتزيين إبليس لأبي جهل ما زَيَّن له، وهما عدوَّان للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما كان مثلُه لسائر الأنبياءِ، وهم صبَروا حتَّى أتاهمُ الفرجُ، فاقتدِ بهم يا محمَّد.

وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} فدلَّ أنَّ كلَّ ذلك بمشيئتِه (٦)، وكذلك


(١) في (أ) و (ر): "شياطين الجن لشياطين" بدل: "شيطان الجن لشيطان".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٤/ ١٨١) عن عكرمة والضحاك والسدي والكلبي. وأخرج الطبري في "تفسيره" (٩/ ٤٩٨) نحوه عن السدي.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٨٤٦)، ومن طريقه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٥٠٠ - ٥٠١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٣٧١) (٧٧٨٨).
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" (٤/ ١٨٢)، و"التفسير البسيط" (٨/ ٣٧٢).
(٥) في (أ): "شياطين".
(٦) في (ف): "بمشيئة اللَّه".