للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(١١٨) - {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ}.

وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} قيل: اتِّصالُها بما قبلَها أنَّها في محاجَّةِ المشركين أيضًا.

قال عكرمة: لمَّا نزلَ تحريمُ الميتة، كتبَ مجوسُ فارس إلى مشركي قريش: إنَّ محمَّدًا وأصحابَه يزعُمون أنَّهم يتَّبعون أمرَ اللَّه، وما ذبحَ اللَّه بسكينٍ مِن ذهب -يعنون به: ما أماته- فلا يأكلونَهُ، وأمَّا ما ذبحوه، فيأكلونَه، فكتب بذلك المشركون إلى أصحابِ محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوقعَ في أنفس ناسٍ مِن المسلمين من ذلك شيءٌ، فنزلت الآية: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} (١).

الشياطين: أهل (٢) فارس، وأولياؤهم: قريش، وكانت العربُ لا تَأكلُ ما مات حتف أنفِه، وإنَّما حملَهم المجوسُ -لعنهُم اللَّه- على المحاجَّة به تظاهرًا؛ لأنَّهم كلَّهم مشركون، وتعلَّق به المشركون؛ لما أنَّ المسلمين كان يَعدُّون ذبائحَهم للأصنامِ ميتاتٍ، ويَعيبونَهُم على أكلها، فأوردوا هذا النَّوعَ مِن الشُّبهةِ؛ دفعًا عن أنفسِهم هذا العيب، فردَّ اللَّهُ تعالى عليهم، وأمرَهم بأنْ يُحِلُّوا ما أحلَّ اللَّه، ويُحرِّموا ما حرَّمَ اللَّه، ومجموعُ ذلك في هذه الآية والآيات (٣) بعدها.

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: صرفَ أهلُ التَّأويل (٤) الآيةَ إلى أهل الكفر بهذه القِصَّة، والأشبهُ أنْ يُصرَفَ إلى أهل الإسلام؛ لأنَّه ذكرَ في آخره: {إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ}، ويكونُ هذا في حقِّ قومٍ امتَنعوا عن الطيِّبات، كما قلنا في قوله:


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٥٢١).
(٢) في (أ): "مجوس" بدل: "أهل"، ووضعت في (ر) فوق قوله: "أهل".
(٣) بعدها في (ر): "التي".
(٤) في (أ): "التأويلات".