للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رِقِّ شيءٍ مِن الأعراض، لم يجدِ السَّلامة، وإليه تشيرُ أنَّ القومَ في الجنَّة، لكنَّهم ليسوا في أسْر الجنة.

ويُقال: من لم يسلم اليوم عن الكونين، لم يجد غدًا سلامَ مكوِّنِ الكَونين.

ويُقال: دارُ السَّلام غدًا لمن سَلِمَ اليومَ لسانُه مِن الغيبة، وجَنانُه مِن العيبة، وظاهرُه مِن الزَّلَّةِ، وباطنُه مِن الغفلةِ، وعقيدتُه مِن البدعةِ، ومعاملتُه مِن الجفوة، وأعمالُه مِن الرِّياءِ والسُّمعةِ، وأحوالُه مِن العُجبِ والملاحظة.

ويقال: قيمةُ الدَّار بالجار، قال قائلهم:

إنِّي لأحسُد جارَكُم (١) لجوارِكُم... طُوبى لِمَنْ أضْحى لدارِكَ جارَا

يا ليتَ جارَك باعَ لي مِن دارِه... شِبْرًا لأعطيه بِشبرٍ دارا

والحقيقةُ وإنْ كانت منزَّهةً عن قَبول الجِوار، وليس القربُ مِنه بتداني (٢) الأقطار، فإطلاقُ هذا اللَّفظِ مؤنِسٌ لقلوب الأحباب، وقاطعٌ للوسائطِ والأسباب.

{وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} الذي آثرَهم على أشكالهم، فآثروه في جميع أحوالهم، وليُّهم في أولاهم، ووليُّهم في أخراهم، وليُّهم الذي يَطلب رضاهم، وليُّهم الذي لم يَكِلهُم إلى هواهم، لا إلى دنياهم، ولا إلى عُقباهم، وليُّهم الذي بإفضالِه يُلاطِفُهم، وبجمالِه وجلالِه يُكاشِفُهم، وليُّهم الذي اختطَفهم عن كلِّ حظٍّ ونصيب، وحالَ بينَهم وبين كلِّ حميمٍ ونسيب، وليُّهم الذي حرَّرهُم مِن كلِّ مرجوٍّ ومرهوب، وممنوعٍ وموهوب، وليُّهم الذي ليس لهم سواه، وليُّهم الذي لا يشهدون إلَّا إيَّاه، لا في بدايتِهم يَقصِدون غيرَه، ولا في وسائِطهم يَشهدون غيرَه، ولا في نهايتِهم يَجدون غيرَه (٣).


(١) في (ف): "داركم"، وفي "لطائف الإشارات": "دارًا في" بدل: "جاركم".
(٢) بعدها في (ف): "اختطفهم"، وهي مقحمة.
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٥٠١ - ٥٠٢).