للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بنا أن نَعرفَ أنَّ ذلك التَّحريمَ كان بِبغيِهم، وبطل بذلك دعواهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: ١٨]، فإنَّ الأبَ والحبيبَ لا يُحَرِّمُ الحلالَ على الابن والحبيبِ بأدنى ظلمٍ.

ودلَّت الآيةُ على صدقِ رسالة النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإنَّه أخبرَ عمَّا كانوا يُخفونَهُ، ولم يكن ذلك ظاهرًا عند أحدٍ مِن غيرِهم، فدلَّ أنَّه باللَّه علمَ ذلك بوحيٍ منه إليه (١).

* * *

(١٤٧) - {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}.

وقوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ}؛ أي: فيما أوحيتُ إليك مِن هذا، {فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} (٢) وبها يُمهِل المكذِّبين، ولا يعاجلهم بالعقوبة.

وقوله تعالى: {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}؛ أي: إنَّ عذابَهُ وإن تأخَّر، فإذا جاء لم يُرَدَّ عن المجرمين؛ أي: لا يمكنُ ردُّه.

وقيل: ذكر قولَهُ: {فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} بعد التَّكذيبِ؛ دعاءً لهم إلى ترك التَّكذيب، وبيان أنَّهم إذا تركوه رحمَهم وأكرمَهم، قاله الحسن (٣).

وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ}؛ أي: بالمصدِّقين، ولا يُرَدُّ بأسُه عن المكذِّبين، وفيه بيانُ تَخصيص الأولياءِ بالكرامةِ


(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٣٠٣ - ٣٠٤).
(٢) بعدها في (ر) و (ف): "لهم إن"
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٣٠٤).