للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذُمُّوا به، وهذا يكشفُ بطلان وَهْمِ (١) المعتزلة أن اللَّه عابَهم بالإضافة إلى المشيئةِ، فدلَّ أنَّه باطلٌ؛ لأَنا بيَّنَّا وجهَهُ، ولأنَّه لم يقل: كذلك كَذَبَ الذين؛ بالتَّخفيف، ليكون وصفًا لهم بالكذبِ في هذا القولِ، بل قال بالتَّشديد، فكان المردودُ عليهم تكذيبَهم؛ لأنَّهم (٢) جعلوا مشيئتَهُ حجَّة لهم على أنَّهم معذورون به، وهذا مردودٌ، لا الإقرارُ بالمشيئة.

ثمَّ المعتزلةُ مِن هذا الوجه شرٌّ مِن المشركين؛ لأنَّ المشركين أقرُّوا بمشيئة اللَّه تعالى، والمعتزلةُ نفَوها، مع أنَّ اللَّه تعالى أثبتَها في آياتٍ، كما قال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام: ١٠٧]، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: ١١٢]، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام: ٣٥]، وكلُّها في هذه السُّورة، وكذا قال تعالى بعد هذا: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ١٤٩].

وقال الحسن: أرادوا بالمشيئة هاهنا الرضا، وقالوا: لولا أنَّ اللَّهَ رضيَ به لعاجَلَنا بالعقوبة، فردَّ اللَّهُ عليهم (٣).

وقيل: كانوا يَدعون مِن هذا الوجهِ أمرَ اللَّهِ به، كما قالوا: {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: ٢٨]، فرَدَّ عليهم.

وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا}؛ أي: مِن حُجَّةٍ في هذا تُعدُّ عِلمًا في أنَّ مشيئتَه شرككَم تُبيحُ لكمُ المقامَ عليه، وفي أنَّه رضيَ بهِ، وفي أنَّه أمرَ به؛ أي: فلا حجَّة لكم مِن جهةِ العلم بوجهٍ يَصِحُّ التَّعلُّقُ به.


(١) في (ف): "قول".
(٢) في (ر): "ولأنهم".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٣٠٥).