للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كَثِيرًا} إلى أن قال: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٨٠].

وإنما خصَّ اليهود بالغضب في هذه الآية والنصارى بالضلال؛ لأن وعيد الغضب فوق الوصف بالضلال؛ لأن الغضب هو إرادة الانتقام لا محالةَ، واليهودُ أحقُّ (١) بذلك؛ لغايةِ قبحِ كفرهم، وبلوغِهم الغايةَ في التمرُّد والمعاندة، فقد قالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: ١٨١] وقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: ٦٤]؛ أي: هو بخيل، وقالوا: إن اللَّه تعالى خلَق السماوات والأرض في ستة أيامٍ فلَغِبَ (٢) فاستراح يوم السبت، وكانوا يعادُون جبريل صلو ات اللَّه عليه وسلامُه، وكانوا يقتلون النبيين بغيرِ الحق، وقصدوا قتلَ عيسى صلوات اللَّه عليه، وقالوا: قد قتلناه، وقالوا على مريم {بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء: ١٥٦] وحَرَّفُوا التوراة {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: ٨٩] فاستحَقُّوا بذلك كلِّه الغضب.

وأما الضلالُ فهو الميلُ عن الطريق المستقيم، والنصارى قد عدَلوا عنه بعد غايةِ التبيين، فقد دعاهم موسى وعيسى ومحمدٌ عليهم الصلاة والسلام بالتوراة والإنجيل والفرقان، فهم في غايةِ الضلالة بعد وقوع البيان على الكمال، ولأنهم في غاية العمَى والتَّمادي في التَّردِّي بقولهم: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣]، وقولِهم: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: ١٧]، وذلك لأنهم (٣) رأوه بدعائه يُصِحُّ المرضى ويُحيي الموتى وكذا وكذا، وذاك شيءٌ ملا أعطاه اللَّه عزَّ وعلا معجزةً له، واللَّهُ تعالى هو المُوْجِدُ والمُظْهِر لذلك، فجعلوه من عندِ عيسى نفسِه، واتَّخَذوه


(١) في (ف): "ألحقوا".
(٢) في (ر): "فَتعبَ". وفي هامش (أ): "اللغوب الإعياء".
(٣) في (أ): "أنهم".