للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلهًا وأشرَكوا به، مع ما رأوه يأكلُ ويشرب، ويجيءُ ويذهب، ويستريحُ ويتعب، ولم يكن لهم من الفطنةِ ما يعلمون أن المضطرَّ المغلوبَ المقهورَ المربوب لا يكون إلهًا، فيَرجعوا إلى ما رجع إليه إبراهيم حيث قال: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: ٧٦] إلى أن قال: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: ٧٧].

ولأن (١) المغضوبَ عليه لا ينال الرِّضى أبدًا، فكذلك اليهود لا يُسلِمون أبدًا (٢)، فأما الضالُّ فقد يهتدِي.

وقد رُوي أن عيسى صلوات اللَّه عليه حين ينزل من السماء في آخِر الزمان يدعو النصارى إلى الإيمان بمحمدٍ فيؤمنون، وبعد الضلالِ يَهتدون.

وقال بعضُ المحقِّقين: المغضوبُ عليهم هم المعاندون من أهل الكتاب، والضالُّون هم المقلِّدون منهم، كما (٣) قال تعالى في حقِّ المعاندين منهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٤٦]، وقال تعالى: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: ١٥٧]. وقال تعالي: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: ١٤]، وقال موسى لفرعون: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الإسراء: ١٠٢].

وقال في حق المقلِّدين منهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: ٧٨]، وقال: {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ


(١) في (ر): "لأن".
(٢) فيه نظر، فلا يخلو الأمر من يهود أسلموا وحسن إسلامهم من لدن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحتى يومنا هذا، وهؤلاء وإن كانوا بجانب غيرهم من الملل الذين أسلموا قليل، لكن النظر في التعميم.
(٣) "كما": من (أ).