للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان بلَغ امرأةَ عمران أن فرعون قد دخل المدينة ومعه عمران، فلمَّا احتَبس عنها عمرانُ خرجت نحو باب فرعون في طلبه، فلما دنت من الباب أبصرت عمران نائمًا، فوقعت عليه تقبِّله، فوثب عمران فإذا هو بها، فقال: ما جاء بك؟ قالت: سمعتُ أنك دخلتَ المدينة، فلما احتبَسْتَ عني خفتُ عليك سطوةَ هذا الجبَّار فأتيتُك، فضمَّها عمران إلى نفسه فلم يتمالك أن واقعها، فحملت مكانها (١) بموسى، فقال لها عمران: إنِّي لأظنُّ هذا (٢) الأمرَ الذي يطلبه فرعونُ وهذا المولودَ الذي يخافه ليس إلا من اجتماعنا الليلة، فاكتمي هذا حتى ننظرَ ماذا (٣) يظهر.

فلما حملت بموسى طلَع نجمه في السماء، ولا يولد نبيٌّ إلا طلع له في السماء نجمٌ، ونظرت الكهَنة والسحرة من الليل فإذا هم بنجم موسى قد طلع، وكانت ليلةَ الجمعة، فقاموا فخمَشوا وجوهَهم وخدَشوا لحومهم ومزَّقوا ثيابهم ونتَفوا شعورهم، وولولوا جميعًا بصوتٍ شديدٍ حتى رجَّت المدينة من أصواتهم، فسمع فرعون ذلك فذُعر ثم أسرع إلى الباب وقال لعمران: ما هذا؟ قال: يا سيدي، هذه أصوات بني إسرائيل فرحوا بما أعطيتَهم وأكرمتَهم بلقائك وكلامك، فقال: لعله كما تقول، فلم يزل يختلف ليلته مقبلًا ومدبرًا كالتي أخذها المخاض.

فلما أصبح قال: يا عمران، اخرج فانظر ما بالُ صياحهم الليلةَ، فخرج فسألهم فقالوا: مكرُ عدوِّنا غلَب مكرَنا ومكرَ سيدنا، وحُمل بذلك المولودِ البارحةَ، ونظر (٤) إلى ما فعَل السحرةُ بأنفسهم فهاله ذلك، فقال عمران: ويلكم غرَرْتم سيدي حتى


(١) "مكانها": ليست في (ف).
(٢) في (أ) و (ر): "اعلمي أني أظن"، بدل: "إني لأظن هذا".
(٣) في (ف): "ما".
(٤) في (ف): "وبصر".