للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي}: أي: كُنْ خليفتي عليهم {وَأَصْلِحْ}: أي: سِرْ فيهم بالسيرة الصالحة التي لا فساد فيها، وثبِّتهم على ما أخلِّفهم عليه من الإيمان به وإخلاصِ العبادة له.

وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}: أي: ولا تسلك طريقةَ مَن يُفسد في الأرض بإظهار المعاصي من نفسه، أو الرضا من غيره بإظهارها، وتقريرِهم على ذلك.

وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما (١) والكلبي: مُرْهم بالصلاح ولا تتَّبع طريق العاصين (٢).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: فإن قيل: ما معنى قوله: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} وهارونُ كان مبعوثًا معه رسولًا وشريكًا له في الرسالة؛ قال تعالى خبرًا عن موسى أنه قال: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: ٣٢]، وقال خبرًا عنهما: {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} [طه: ٤٧]، وقال تعالى: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} [طه: ٤٧]، وإذا كان هو رسولًا كيف يحتاج (٣) إلى الاستخلاف.

قلنا: المأموران بشيء لا ينفرد أحدهما بفعله إلا بأمرِ صاحبه، فلذلك قال: {اخْلُفْنِي} أي: في الحكم بينهم {وَأَصْلِحْ} ذاتَ بينهم ولا تتَّبع مَن دعاك إلى سبيل المفسدين، ولأن موسى كان أصلًا فيها وهارون مُعينًا له، قال تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص: ٣٤] ولهذا كان هو المناجَى على الخصوص، والمعطَى له


(١) بعدها في (ر): "ومجاهد".
(٢) انظر: "البسيط" للواحدي (٩/ ٣٣١) عن ابن عباس والكلبي.
(٣) في (ف): "فكيف احتاج" بدل: "كيف يحتاج".