للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا}: أي: علِموا، وهو من رؤية القلب.

وقوله تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا}: قرأ حمزة والكسائي بتاء الخطاب فيهما ونصبِ الباءِ من {رَبُّنَا} على النداء؛ أي: تابوا ودَعوا ربهم فقالوا: يا ربنا إن لم ترحمنا وتغفر لنا.

وقرأ الباقون بياء المغايبة فيهما ورفعِ الباء من {رَبُّنَا} (١) على أنه فاعلٌ بفعله وهو {يَرْحَمْنَا} وعُطف عليه: {وَيَغْفِرْ لَنَا}.

وقوله تعالى: {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}: أي: الهالكين المغبونين (٢) في الدنيا والآخرة.

وقال القشيري رحمه اللَّه: قوله: {لَا يُكَلِّمُهُمْ} فيه إشارةٌ إلى مخاطبته سبحانه وتعالى عبيدَه، وأن ملوك الخلق إذا جلَّت رتبتُهم أَنفوا من (٣) مخاطبةِ خدمهم بلسانهم، قال قائلهم:

وما عَجَبٌ تَنَاسى ذكر عبدٍ... على المولَى إذا كثُرَ العبيدُ

واللَّه تعالى بخلافِ هذا أجرى سنَّته مع عباده الأولياءِ والأعداء؛ فأما الأعداءُ فإنه يقول لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] وأما الأولياء فقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من أحدٍ إلا ويكلِّمه ربُّه ليس بينه وبينه تَرْجمانٌ" (٤) وأنشدوا:

وما يَزْدَهينا الكبرياءُ عليهم... إذا كلَّمونا أنْ نُكَلِّمَهُم نزرا (٥)


(١) انظر: "السبعة" (ص: ٢٩٤)، و"التيسير" (ص: ١١٣).
(٢) في (ر): "المفتونين"، وليست في (ف).
(٣) في (ف): "عن". ولفظ "اللطائف": (استنكفوا أن يخاطبوا).
(٤) رواه البخاري (٦٥٣٩)، ومسلم (١٠١٦)، من حديث عدي بن حاتم -رضي اللَّه عنه-.
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٧١).