للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: هذا في حقِّ الذين لم يَقبلوا قتلَ (١) أنفسهم بأيديهم فلم يتوبوا، وأُشربَ في قلوبهم حبُّ العجل، فالغضبُ -وهو الانتقام- في الآخرة لهم، {وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: أَخْذُ الجزية، قاله الحسن (٢)، ويدلُّ عليه ما بعده، وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: ١٥٣].

وقال مكحولٌ: قال موسى عليه السلام: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} الآيةَ، فقال اللَّه تعالى: صدَق عبدي موسى.

وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}: أي: الكاذبينَ، وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: هذه الآية في أهل عصر النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الذين تولَّوا آباءهم الذين فعلوا هذا، لهم عذابُ النار في العُقبى وأخذُ الجزية في الدنيا (٣).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ويحتمِل قولُه: {وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ذمَّهم بصنيعهم (٤)، وثناءَ الشرِّ عليهم (٥).

والمفترُون: الكاذبون، وقد كذَبوا في تسميتِهم العجلَ إلهًا ومعبودًا.

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: قوله: {سَيَنَالُهُمْ} هذه السينُ للاستقبال، ومَن لا يضرُّه عصيانُ العاصين لا يبالي بتأخير العقوبة عن الحال، ولكن يكون للإمهال لا للأهمال، ولا ينبغي لمن ألمَّ بذنب ثم لم يؤاخَذ (٦) به أن يَغترَّ بالإمهال (٧).


(١) في (ف): "لم يقتلوا".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٤/ ٢٨٦)، والواحدي في "البسيط" (٩/ ٣٧٩)، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٣) ذكره الواحدي في "البسيط" (٩/ ٣٧٨ - ٣٧٩).
(٤) في (ف): "بصنعهم".
(٥) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٤٧).
(٦) في (ف): "يؤخذ".
(٧) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٧٣).