للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونحن نرى أشياءَ ننكرُها فلا نقول فيها، فقال عكرمة: فقلتُ: جعلني اللَّه فداك! أوَلَا تراهم قد كرهوا ما هم عليه فقالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ}؟ -وفي رواية: قال لابن عباس رضي اللَّه عنهما: إن (١) لم يقل اللَّه: أنجيتُهم، لم يقل أيضًا: أهلكتهم- قال: فرضيَ وأمر بي فكُسيت بُردين (٢).

فصار عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ثلاثةُ أقوال:

أحدها: أنه أهلكهم كما أهلك المعتدين.

والثاني: أنه أنجاهم كما أنجى الناجين (٣).

والثالث: أنه توقَّف فيهم.

وقال الحسن: نجت فرقتان وهلكت فرقة، وهم الذين أخذوا الحيتان (٤).

وقال الحسن: وأيُّ نهيٍ يكون أشدُّ من إثبات الوعيد، والتخويفِ بالإهلاك والعذاب الشديد، بقولهم: {اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}؟

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: لسنا نَعلم أنهم كانوا مهلَكين أو ناجين، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة، ولو كان لنا إليه حاجةٌ لبيَّنه (٥) لنا، سوى أنه بيَّن مَن نجا منهم بالنهي وعذَّب مَن أَخذ الحيتان بالظلم والفسق (٦).


(١) في (ف): "إذ".
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٩٥٣)، ومن طريقه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٥١٥)، وما بين معكوفتين منهما. والرواية الأخرى ذكرها الواحدي في "البسيط" (٩/ ٤١٧)، والبغوي في "تفسيره" (٣/ ٢٩٤). وفي رواية للطبري أيضًا (١٠/ ٥١٤) أن عكرمة قال: (فلَمْ أَزَلْ به حتى عرَّفْتُه أنهم قد نجَوا، فكساني حُلَّةً)، وفي أخرى: (فما زلت أبصِّره حتى عرف أنهم نجوا، وكساني حُلَّةً).
(٣) في (ف): "الناهين".
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" (٢/ ٤٢١)، والبغوي في "تفسيره" (٣/ ٢٩٤).
(٥) في النسخ: "لبين"، والمثبت من "التأويلات".
(٦) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٧٣).