للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمستبدَعٍ مستبعَدٍ وضعُ هذه الأشياءِ في الذرِّ الصغارِ من قدرة اللَّه اعتبارًا بنمل سليمان وهُدهده، وكلامِ عيسى في المهد، وشهادةِ الرضيع ليوسف عليه السلام.

وقوله تعالى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}: أي: فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} استفهامٌ بمعنى التقرير، كما في قول الشاعر:

ألستُم خيرَ مَن ركب المطايا... وأندَى العالمين بطونَ راحِ (١)

وقوله تعالى: {قَالُوا بَلَى}: وهو في سؤال النفي إثباتٌ فكان إقرارًا، وكان من الكلِّ فكان إيمانًا منهم، لأنه إقرارٌ وتصديق، والإقرار قولهم: {بَلَى} والتصديق ثبت بمقتضَى قوله: قالوا: {شَهِدْنَا} لأن الإقرار بدون الاعتقادِ لا يكون شهادةً، ولهذا رد اللَّه تعالى على المنافقين قولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] فقال اللَّه تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١]، وقولُهم: هو رسول اللَّه، لم يكن كذبًا، لكن ذكروا أنهم يشهدون به ولم يكن لهم اعتقادٌ، فلم تكن لهم شهادةً، فكانوا كاذبين في دعوى الشهادة.

وقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}: أي: فعلنا هذا لئلا تقولوا يوم القيامة، قرأ أبو عمرو يقولوا بياء المغايبة، وكذا بعده: {أَوْ تَقُولُوا} (٢)؛ أي: لئلا يقولَ هؤلاء.

وقرأ الباقون بتاء المخاطبة خطابًا لهؤلاء؛ أي: لئلا تحتجُّوا فتقولوا: إنَّا كنا غافلين عن أن لنا ربًا وصانعًا.

* * *


(١) البيت لجرير، وهو في "ديوانه" (١/ ٨٩).
(٢) انظر: "السبعة" (ص: ٢٩٨)، و"التيسير" (ص: ١١٤).