للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: اللَّه تعالى أنسانا ذلك ابتلاءً؛ لأن الدنيا دارُ غيب وعلينا الإيمانُ بالغيب، ولو تذكَّرنا ذلك زال الابتلاء، وليس ما يُنسى تزول به الحجة ويَثبت به العذر؛ قال اللَّه تعالى في أعمالنا: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: ٦] وأَخبر أنه سينبئنا به وقال: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} [ق: ٢٢]، ولأن اللَّه تعالى جدَّد هذا العهد وذكَّرنا هذا المنسيَّ بإرسال الرسل وإنزال الكتب بعده، فلم يَثبُت العذر.

وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: وَسَم بالجهل قومًا فألزمهم بالإشهاد الحجةَ، وأَكرم بالتوحيد آخرين فأشهدهم واضحَ المحَجَّة.

وقال: أَسمَعهم وفي نفسِ ما أسمحهم أحضرهم لِمَا أسمعهم، ثم أخذهم عنهم فيما أحضرهم، وقام عنهم فأنطقهم بحُكم التصريف (١)، وحَفِظ عليهم بحُسن التولِّي أحكامَ التكليف، فكان سبحانه وتعالى لهم مكلِّفًا، وعلى ما أراد مصرِّفًا، وبما استخلصهم له معرِّفًا، وبما رقَّاهم إليه مشرِّفًا.

وقال في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ}: إذا سدَّت عيونُ البصيرة فما ينفع وضوح الحجة (٢).

* * *

(١٧٥) - {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}.

وقوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}: اتِّصالُها بما قبلها


(١) كذا في النسخ، وفي "لطائف الإشارات": (التعريف).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٨٥ - ٥٨٧).