للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ظاهرُه سؤالُ الاستفتاء، وهو السؤال عن الحُكم، وظهر ذلك بجوابه وإن كان السؤال مطلَقًا كما في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: ٢٢٠]، وهذه الأحاديث تدلُّ على أنه سؤالُ الاستعطاء، وفي قراءة ابن مسعود رضي اللَّه عنه: (يسألونك الأنفالَ) (١) وهذا ظاهر.

وأما قراءة الجمهور: {عَنِ الْأَنْفَالِ} فلا يقتضي إلا سؤالَ الاستفتاء، إلا أن يُجعل {عَنِ} بمعنى: مِن، ويكونَ للتبعيضِ، وحروف الصِّلات تتناوب.

أو يقال: كانوا يستَعْطون أولًا، ثم لمَّا تأخَّر الإعطاء استفتَوه حكمَها ومَصْرِفها، وقد روِّينا عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما -وهو مرويٌّ عن مجاهد وعكرمة-: أن الآية نسخت بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية (٢)، فكان في هذه الآية جَعْلُ كلِّها له، وفي الثانية صارت لأهل السُّهمان والغُزاة.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي ثابتة لم تنسخ، وإنما معناها: قل الأنفال للَّه تعالى، ولا شكَّ أنها للَّه مع الدنيا وما فيها والآخرة، [و] هي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يضعها في مواضعها التي أمر اللَّه تعالى بوضعها فيها (٣)، وبيَّن ذلك في الآية الثانية:


= وفي رواية عبد الرزاق بعض اختصار. وعلى كلٍّ فالكلبي متروك.
(١) انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٥٤)، و"المحتسب" (١/ ٢٧٢). ووقع في النسخ: "يسألونك عن الأنفال"، وهو خطأ ظاهر.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ٢١ - ٢٢) عن مجاهد وعكرمة والسدي، وذكره عنهم الواحدي في "البسيط" (١٠/ ١٣) ثم قال: وهذا قول ابن عباس في رواية الوالبي عنه. وذكره عن ابن عباس أيضًا الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (٥/ ١٤٢).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (١١/ ٢٢)، و"تفسير الثعلبي" (٤/ ٣٢٦)، و"البسيط" (١٠/ ١٤). وما بين معكوفتين مستفاد من هذه المصادر.