للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي رواية الواقدي: لما استشارهم قام أبو بكر رضي اللَّه عنه فأحسنَ، ثم قام عمر رضي اللَّه عنه فأحسنَ، ثم قال: يا رسول اللَّه إنها واللَّه قريش ما ذلَّت مُذ عزَّت، ولا آمنت مُذ كفرتْ، واللَّه لا تُسْلِمُ [عزَّها] أبدًا ولتقاتلَنَّك، فتأهَّبْ أُهْبتَه وأَعِدَّ لذلك عُدَّته.

ثم قام المقداد وقال ما ذكرناه، ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أشيروا علَيَّ أيها الناس" وإنما يريد الأنصارَ، وكان يظنُّ أن الأنصار لا تنصُره إلا في الدار، وذلك أنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسَهم وأولادهم، فلما قال ذلك قام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسولَ اللَّه تريدنا (١)؟ فقال: "أجل"، قال: إنك عسى أن تكون خرجتَ على أمرٍ قد أوحى اللَّه تعالى إليك (٢)، فإنَّا قد آمنَّا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئتنا به حقٌّ، وأعطيناك مواثيقَنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامضِ يا نبيَّ اللَّه لِمَا أردْتَ ونحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضْتَ هذا البحر فخُضْتَه لخُضناه معك ما بقي منا رجل، وصِلْ مَن شئتَ واقطَعْ مَن شئتَ، وخُذ من أموالنا ما شئتَ، وما أخذتَ من أموالنا أحبُّ إلينا مما تركتَ.

فلما فرغ سعدٌ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سيروا على بركة اللَّه، فإنَّ اللَّه عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه لكانّي انظر إلى مصارع القوم"، وأرانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مصارعَهم يومئذ: هذا مصرعُ فلانٍ وهذا مصرع فلان، فما عدا كلُّ رجلٍ مصرعَه (٣).

فعلم القوم أنهم ملاقون القتال، وأن العير قد تفلَّتت، ورَجَوُا النصرَ لقول


(١) في (ر): "تريدهم"، والمثبت موافق لما في "المغازي".
(٢) العبارة في "المغازي": (إنّك عَسَى أنْ تكونَ خَرَجْت عن أمرٍ قد أُوحيَ إليك في غيرِه).
(٣) رواه بنحوه مسلم (٢٨٧٣) من حديث أنس عن عمر رضي اللَّه عنه أنه قال: إن رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان يُرينا مَصارعَ أهلِ بدرٍ بالأمسِ، يقولُ: "هذا مَصْرَعُ فلانٍ غدًا، إنْ شاءَ اللَّهُ"، قال: فقال عمر: فوالذي بَعَثَه بالحقِّ ما أَخطَئوا الحُدودَ التي حَدَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.