للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو أن مكة مولدُكم ومنشؤكم، وفيها قبلتكم، وبها مفاخرتُكم، وقد استولى المشركون عليها وأخرجوكم منها، وقاموا بعمارة المسجد الحرام الذي فيها وليسوا بأهل ذلك، فقاتلوهم وأخرجوا ذلك من أيديهم، وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ}؛ أي: أن يلُوا عمارتها.

وقيل: كان فيما نودي فيهم مع البراءة: ألا يحجَّ بعد العام مشركٌ (١)، وفي هذه الآية إشارةٌ إلى منعهم عن قصدها والطوافِ بها وعمارتها بالصلاة.

ومعنى الآية على هذا: ليس في حكم اللَّه تعالى أن يعمُر المشركون مساجد اللَّه بالصلاة فيها وحجِّها والطواف بها وعمارتها وهم غيرُ مؤمنين، وذلك قوله تعالى:

{شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}: وقيل: هو اعترافهم بعبادة الأوثان وإن لم يصرِّحوا بالاعتراف بلفظ الكفر والشرك.

وقيل: هو قولهم في التلبية: لبَّيك لا شريك لك إلا شريكٌ هو لك تملكُه وما مَلَك؛ أي: ليس لهم أن يحجُّوها (٢) وهم قائلون في الحج هذا.

وقيل: أي: ما يدينون به دليل على كفرهم، لا أنهم يقولون: نحن كفار، وهو كقولك للرجل: إن (٣) كلامك ليشهدُ أنك ظالم؛ قاله الحسن (٤).

وقال السدِّي: إن النصراني إذا قيل له: مَن أنت؟ قال: نصرانيٌّ، وكذلك اليهوديُّ والمشرك والوثنيُّ (٥).


(١) رواه البخاري (٣٦٩)، ومسلم (١٣٤٧)، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٢) في (ف): "يحجوا".
(٣) في (ر): "إذا كان"، وفي (ف): "إذ كان"، بدل: "إن".
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٣/ ٢٢٨) (ط: دار التفسير)، والواحدي في "البسيط" (١٠/ ٣٣١)، والبغوي في "تفسيره" (٤/ ٢٠).
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ٣٧٤ و ٣٧٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٧٦٥). وذكره =