للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة: ٥]؛ أي: قبلوهما، مَدَّ وجوبَ القتال إلى هذه الغاية وهي قبولُ الجزية، وهذا حكم أهل الكتاب بالنصِّ، وحكمُ المجوس كذلك بالخبر، وهو قولُه عليه السلام: "سُنُّوا في المجوس سنَّةَ أهل الكتاب غيرَ ناكحي نسائهم ولا آكلِي ذبائحِهم" (١)، ولا يجوز هذا في مشركي العرب؛ لقوله عليه السلام: "لا يُقبل منهم إلا الإسلام أو السيف" (٢) ويجوز في الهنود والأتراك والديلم عندنا خلافًا للشافعي رحمه اللَّه تعالى، وهي تعرف في الفقهيات.

وقوله تعالى: {عَنْ يَدٍ}: قيل: عن نقدٍ، فلا تؤخَّر عن وقتها، من قوله: يدًا بيدٍ.


(١) رواه دون قوله: "غير ناكحي. . . " مالك في "الموطأ" (١/ ٢٧٨) عن جعفرِ بن محمد بن عليٍّ عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب ذَكَر المجوسَ فقال: ما أدري كيف أَصنعُ في أَمْرِهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوفٍ: أَشْهدُ لَسمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "سُنُّوا بهم سُنّةَ أهلِ الكتابِ". قال ابن عبد البر في "التمهيد" (٢/ ١١٤ - ١١٦): هذا حديث منقطع لأن محمد بن علي لم يلق عمر ولا عبد الرحمن بن عوف. . . ولكن معناه متصل من وجوه حسان.
وقوله: "غير ناكحي. . . " لم يرد في هذا الخبر، وإنما هو مدرج فيه كما قال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (٣/ ١٧٢)، قال: لكن روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي من طريق الحسن بن محمد ابن علي قال: (كتب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل، ومن أصر ضربت عليه الجزية، على ألا تؤكل لهم ذبيحة، ولا تنكح لهم امرأة)، وفي رواية عبد الرزاق: (غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم)، وهو مرسل، وفي إسناده قيس بن الربيع وهو ضعيف، قال البيهقي: وإجماع أكثر المسلمين عليه يؤكده.
ثم قال الحافظ: تنبيه: تبين أن الاستثناء في حديث عبد الرحمن مدرج، ونقل الحربي الإجماع على المنع إلا عن أبي ثور، ورده ابن حزم بأن الجواز ثبت عن سعيد بن المسيب أيضًا، وأخرج ابن أبي شيبة، من طريقه جواز التسري من المجوس بإسناد صحيح، وعن عطاء وطاوس وعمرو بن دينار كذلك.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٤/ ١١٧ - ١١٨) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.