للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(١١) - {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.

وقوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}: وهذه منتظِمة بقوله تعالى: {لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}، ولغفلتهم إذا أُنذِروا استعجلوا العذابَ جهلًا منهم، ولو عجَّل اللَّهُ لهم ذلك إذا استعجلوه بدعائِهم كما يستعجلون بالخير لَمَا قاموا لعذابنا، بل ماتوا؛ لأنَّ تركيبَهم لا يحتمِل ذلك في الدُّنيا.

وقوله تعالى: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}؛ أي: فُرِغَ منه وقُطِعَ. وقال أبو ذُؤيْب:

وعليهما مَسْرُودتانِ قَضاهُما... داودُ أو صَنَعُ السَّوابِغ تُبَّعُ (١)

وقرأ ابن عامر: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} بالنَّصب على الفعل الظاهر؛ أي: لقضى اللَّه إليهم أجلَهم، والباقون بالضَّمِّ على ما لم يسمَّ فاعله (٢).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: تقديرُ الآية على هذا القولِ: ولو يعجِّلُ اللَّهُ للنَّاس الشَّرَّ إذا استعجلوه كما يعجِّل لهم الخيرَ إذا استعجلوه لهلكوا (٣).

واستعجالُهم الشَّرَّ ذُكِرَ في آياتٍ: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: ٣٢]، {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: ١]، {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ


(١) انظر "ديوان الهذليين" (١/ ١٩). والمسرودتان: مثنى "المسرودة"، والدرع المسرودة: المنسوجة بحيث يدخل بعض الحلق في بعض. وقضاهما: صنعهما. والصنع بفتحتين: الذي يحسن العمل بيديه والسوابغ: جمع سابغة، وهي الدرع الواسعة الوافية. وتبَّع: لقب لكلِّ مَن ملك اليمن. انظر: "شرح الشواهد الشعرية" لمحمد حسن شراب (٢/ ٩٧).
(٢) انظر: "السبعة" (ص: ٣٢٣)، و"التيسير" (ص: ١٢١).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ١٥).