للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ}؛ أي: ميَّزْنا بينَ العابدين والمعبودين؛ لأنَّ المعبودين إنْ كانوا ملائكةً فهم مميَّزون عن أهل النَّار إلى المواضع التي هي مقاماتهم.

وقوله تعالى: {قَالَ شُرَكَاؤُهُمْ}: قيل: هم الملائكة: {مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ}: وهو كقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنّ} [سبأ: ٤٠ - ٤١]؛ أي: قالت الملائكةُ: إنَّ الجنَّ -وهم الشَّياطين- دعَتْهم إلى عبادَتِنا، ونحن منهم بُرَءاءُ، فإنَّما عبدوا الشَّياطين؛ لأنَّهم أطاعوهم فيما أمروهم، وهو كقوله: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: ٦٠].

وقال الكلبيُّ ومقاتلٌ ومجاهدٌ: {شُرَكَاؤُهُمْ}: الأصنامُ، يُنْطِقْهُمُ اللَّهُ تعالى، فيقولون: {مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ}: ما علمْنَا بعبادتكم إيَّانا، ولا أَمَرْنا بها، ولا عبادةَ إلَّا بأمْرِ المعبودِ (١).

وعلى هذا قوله تعالى: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ}؛ أي: فرَّقنا بينَ المشركين وبين أصنامِهم وما كان بينَهم من التَّواصل.

وقيل: أي: جعلنا الأصنام ترابًا، وجعلنا المشركين في النَّار.

وقيل: {شُرَكَاؤُهُمْ}: أعوانهم وقرناؤهم في الشِّرك، وقوله: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} هو قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا} الآية [البقرة: ١٦٦]، قاله مجاهد (٢).


(١) انظر: "تفسير مقاتل" (٢/ ٢٣٦)، وروى نحوه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ١٧١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٩٤٨) عن مجاهد.
(٢) انظر: "الوسيط" للواحدي (٢/ ٥٤٦)، و"تفسير ابن كثير" عند هذه الآية.