للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}: قال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: أي: قل يا محمَّد لأهل مكَّة: هل مِن أصنامِكم مَن يبدأُ الخلْقَ في بطنِ أمِّه نطفةً وعلقةً ومضغةً، ثمَّ يعيدُه ببعثِه بعدَ الموتِ؟ فإنْ أجابوك فقالوا: اللَّه، وإلَّا فقلْ لهم: اللَّهُ يبدأُ الخلقَ ثمَّ يعيدُه بعدَ الموت، فمِن أينَ تُصرَفون عن الحقِّ؟ استفهام بمعنى التَّوبيخ (١).

والخَلْق: اسمُ جنسٍ يصلح للجَمْع، وهو في الأصل مصدر أيضًا، فلا يُثنَّى ولا يُجمَع.

وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ}: قال مقاتلٌ: قُلْ: هل مِن شركائِكم الَّلاتِ والعُزَّى ومناةَ والأصنامِ الَّتي تعبدونها أحدٌ يَهدِي إلى دين الإسلام؛ أي: فلا بُدَّ لهم مِن أن يقولوا: لا، إنَّها لا تعقلُ ولا تميِّز، ولا تضرُّ ولا تنفعُ، فقلْ لهم أنت -وذلك قوله تعالى-: {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ}؛ أي: إلى الحقِّ (٢).

والهداية تتعدَّى على ثلاثة أوجه، يُقال: هديتُه كذا، ولكذا، وإلى كذا.

قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}: قرأ ابنُ كثير وابن عامر وورش عن نافع: {يَهَدِّي} بفتح الهاء وتشديد الدَّال، وأصلُه: يهتدي، فأُدغمتِ التَّاء في الدَّال، ونُقلَتْ فتحتُها إلى الهاء لئلَّا يجتمع ساكنان.

وقرأ أبو عمرو ونافع في رواية غير ورش: {يَهدِّي} باختلاس فتحة الهاء وتشديد الدَّال (٣).


(١) ذكر نحوه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ١٧٧ - ١٧٨) دون عزو.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" (٢/ ٢٣٧ - ٢٣٨).
(٣) هي قراءة أبي عَمْرو، وقالون عن نافع، وهي أنهما يخفيان حركة الهاء، والنَّصُّ عن قالون بالإسكان، وقال اليزيدي عن أبي عَمْرو: كانَ يُشمُّ الهاء شيئا من الفتح. انظر: "التيسير" (ص: ١٢٢).