للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتقديرُ هذه الآية على هذا: قدْ أخبَرْناكَ بما تعلمُ أنَّك لا تشكُّ فيه، فإنْ كنْتَ في شَكٍّ فيه فاسألِ العلماءَ به، ثمَّ يعودُ حقيقة الأمر إلى أنَّ ما أخبرناك به صِدقٌ، ينبغي للكفَّار أنْ يصدِّقوك، فإنْ لم يصدِّقوك فلْيَسألوا غيرَك مِن أهل الكتاب.

والأمورُ إذا وقعَتْ فيها المبالغةُ خرجَ الخطاب فيها إلى ما لا يكون، قال تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: ١٠]، قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: ٤٦]، وقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: ٩٠]؛ أي: لو جازَ كونُ هذه الأشياء لكانت في هذه الحالة.

فكذا هذا معناه: لو كنْتَ ممَّنْ يلحقُكَ شَكٌّ فيما أخبرناك به، فسألْتَ أهلَ الكتاب، لأزَالُوا عنك الشَّكَّ بتصديقِهم إيَّانا فيما أخبَرْناك به، وهو كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥]؛ أي: لَئِنْ كنْتَ ممَّن يجوزُ ذلك عليك لبطلَ عملُكَ.

وقيل: علم اللَّه تعالى أنَّ الرَّسولَ عليه الصَّلاة والسَّلام لا يشكُّ، فإنَّما خاطبَه بهذا ليقول: أنا لا أشكُّ؛ لِيُثاب على ذلك، كما قال لعيسى عليه السلام: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ليقول: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة: ١١٦]؛ لِيُثَابَ على ذلك.

وقد رُوي أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لجبريل: "أنا لا أشكُّ، ولا أسألُ" (١).

وقال الزُّهريُّ: نزلَتِ الآيةُ في السَّماء، ومعنى قوله: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}: الملائكة.


= عبدي فأطعني، يقوله وهو متيقن أنه عبده، فيلزم أن اللَّه تعالى يعلم أن نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- شاك؛ لأنَّه قال: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} كقولنا: إن كنت غلامي.
(١) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٠٢١١)، والطبري في "تفسيره" (١٢/ ٢٨٨)، عن قتادة مرسلًا.