للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قد تتابعَ عليهم أيقنوا بالهلاك، فنقلوا يونسَ إليهم (١)، فنزلَ بينَ أظهرِهم، وبرزوا إلى الصَّعيد بأنفسِهم ونسائِهم وصبيانِهم ودوابِّهم، فعجُّوا إلى ربِّهم، وفرَّقوا بين دوابِّهم وأولادِها، فحنَّ بعضُها إلى بعضٍ، وعلَتْ أصواتُها، وفعلوا ذلك عمدًا لتختلط أصواتُها بأصواتِهم، وحنينُها بحنينِهم؛ ليرحمَهم ربُّهم، فرحمَهم، واستجابَ لهم، وقَبِلَ توبتَهم، وكشفَ العذابَ عنهم، فذلِكَ قولُه تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} [يونس: ٩٨] (٢).

وقال مقاتل: كان العذابُ فوقَ رؤوسِهم قدْرَ ميلٍ (٣).

فكشفَ اللَّهُ عنهم يومَ عاشوراء يومَ الجمعة، فحذَّرَ اللَّهُ تعالى أهلَ مكَّة أنهم إنْ آمنوا عندَ نزولِ العذابِ لم ينفعْهم، كما لم ينفعِ الأممَ الخالية إلَّا قومَ يونسَ.

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: تداركَتْهم الرَّحمة الأزليَّة فيما أَجْرَى عليهم [من] توفيق التَّضرُّع، فكشَفَ عنهم العذابَ، وبرحمَتِه وصلوا إلى تضرُّعِهم، لا بتضرُّعِهم وصلوا إلى رحمتِه (٤).

* * *

(٩٩ - ١٠٠) - {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}.


(١) في (ف): "فلقوا ما قال يونس إليهم"، وفي (ر): "فلقوا يونس إليهم".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١٥٢)، والبغوي في "تفسيره" (٤/ ١٥١).
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" (٢/ ٢٥٠).
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١١٦)، وما بين معكوفتين منه.