للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتقديره: اطلبوا مغفرةَ ربِّكم بالإسلام، والنَّدمِ على سالف الإجرام، والثَّبات على الطَّاعة في باقي الأيَّام، وارجعوا إلى اللَّهِ تعالى بالإخلاصِ والاستسلام، على الثَّبات والدَّوام.

وقيل: أي: اطلبوا المغفرة بأنْ تجعلوها عوضَكم، ثمَّ توصَّلوا إلى مطلوبِكم بالتَّوبة واجعلوها سببَكُم، فالمغفرةُ أوَّلٌ في الطَّلب وآخرٌ في السَّبَب.

وقيل: معناه: استغفروا ربَّكم مِن ذنوبِكم السَّالفة، ثمَّ توبوا إليه في المستأنَف متى وقعَتْ منكم المعصيةُ.

وقوله تعالى: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}: هو جوابُ الأمرِ، وتقديرُه: إنْ تفعلوا ذلك يعمِّرْكُمُ اللَّهُ تعالى في الدُّنيا، فتتمتَّعون بالأرزاق المباحة والملاذِّ المحلَّلة متاعًا حسنًا، لا تَذُمُّون عاقبتَه كمتاع المشركين.

{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}: وهو مدَّة العمر لكلِّ إنسان.

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: {مَتَاعًا حَسَنًا}؛ أي: تستحسِنون في الآخرة ذلك التَّمتُّع، وأمَّا الكفَّار فإنَّهم لا يستحسنون في الآخرة ما مُتِّعوا به في الدُّنيا؛ لأنَّ تمتُّعَهم في الدُّنيا كان للدُّنيا، وتمتُّعَ المسلمين كان للتَّزوُّد للآخرة (١).

وأصلُ التَّمتُّع: إطالةُ الشَّيء والمدُّ فيه، يُقال: حبلٌ ماتع؛ أي: طويل، ومَتَعَ النَّهارُ؛ أي: ارتفعَ، وقال اللَّهُ تعالى خبرًا عن نوح عليه السَّلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح: ٣]، وقال تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: ١٠ - ١٢]، فهذا كلُّه مِن المَتاعِ الحَسَنِ.


(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٩٥).