للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: هو أنْ لا يُلمَّ في حال شبابِه بزلَّة، ولا يتَّصفَ في حال مشيبه عن اللَّه بغفلة.

وقيل: هو أنْ يكون راضيًا بما يجري عليه في حالَتَي العسر واليسر.

وقال في قوله تعالى: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ}: هو أنْ يَسترَ عليه فضلَه حتَّى لا يلاحِظَ حالَه ومقامَه، بل ينظر إلى نفسه وإلى ما هو منه وله بعين الاستحقار والاستصغار.

وقيل: هو أنْ يرقِّيه عن التَّعريج في أوطان البشريَّة إلى مناجاة شهود الأحديَّة، فيُنقَّى (١) عن شُحِّ البشريَّة، والتَّكدُّر بما يبدو مِن مفاجأت التَّقدير.

وقال في قوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ}: تنقطع الدَّعاوى عند الرُّجوع إلى اللَّه تعالى، وتَنتَفي الظُّنون، ويحصل اليأسُ مِن غير اللَّه تعالى، ويبقى العبد بنعتِ الاضطرار في وصف الانتظار (٢).

* * *

(٥) - {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

وقوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}: أخبر عن معاداة المشركين للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وجهلِهم باللَّهِ في ظنِّهم أنَّهم يَسْتَخْفون منه، فقال: {أَلَا}؛ أي: تنبَّهوا على أحوال المشركين، وقِفوا على جهلِهم، فإنَّهم يُسرُّون العداوة في قلوبِهم، وهو كقولهم: طَوَى كَشْحَهُ.

ووجهُ ذلك: أنَّ مَن ثنَى الشَّيء -أي: عطَفَه وطواه- خفيَ في أثنائه ما يقع فيه، وخفيَ باطن الشَّيء المطويِّ، فجعلَه مثلًا لإضمار العداوة في الصَّدر.


(١) في (أ): "فينتفي".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٢٣).