{لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ}: أي: يقصدون بذلك إخفاء ذلك على اللَّه تعالى جهلًا منهم.
{أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ}: أي: اعلموا أنَّهم حين يتغطَّون بثيابِهم ويُدخلون رؤوسَهم فيها {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}؛ أي: يعلمُ اللَّهُ ما يضمرون، فكيف وهم بارزون؟! ولكنَّهم أهلُ جهلٍ، ومَن كان هذا حالُه لم يُستَبْعَدْ منه أنْ يُشرِكَ باللَّه غيرَه.
ووجه آخر: أنَّهم كانوا إذا احتاجوا في أمرٍ مِن الأمور أنْ يَمرُّوا بالنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- طأطؤوا رؤوسَهم وتغشَّوا ثيابهم فيها؛ لِئلَّا يراهم النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيحتاجوا إلى الدُّخول عليه أو التَّسليم عليه، فأخبرَ اللَّهُ عن ذلك وقال:{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}، وهو عبارةٌ عن شِدَّةِ خَفْضِ الرَّأس، حتَّى يحتاجُ صاحبُها إلى أنْ ينحنيَ فيثنيَ صدرَه.
فيقول: أَلَا حينَ يفعلونَ هذا ويضمُّون إليه في بعضِ الأحوالِ أنْ يغطُّوا رؤوسَهم بثيابهم ليُخفوا أشخاصَهم مِن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يعلمُه اللَّهُ، ويعلم ما يسرُّون في منازلهم عليه وما يعلنون فيه.
ووجه آخر:{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}؛ أي: يَحْنون صدورَهم لتنخفضَ رؤوسُهم وتتطامَنَ آذانُهم، فلا يصلَ إليها ما يَقرأُ عليها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مِن القرآنِ، وهو كقوله تعالى في قصَّةِ نوحٍ عليه السلام:{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ}[نوح: ٧].
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما:{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}؛ أي: يُخفون ما في صدورِهم مِنَ الشَّحناء والعداوةِ (١).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٣٢١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٩٩٨).