للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثمَّ يحتمِلُ تخصيصُ يعقوبَ يوسفَ وأخاه بالحبِّ وجوهًا:

أحدها: ما رأى فيهما من الضَّعفِ في أنفسِهما، والعجزِ في أبدانهما، فازدادَتْ شفقتُه عليهما لذلك، وهذا ممَّا يكون بينَ الخلق.

والثاني: أنَّه خصَّهما بذلك لفضل خصوصيَّةٍ كانت لهما؛ إمَّا مِن جهة الدِّين أو العلم أو غيره، أمرَهُ اللَّه تعالى بذلك [لذلك].

أو لأنَّه لمَّا بُشِّرَ يعقوبُ بنبوَّةِ يوسفَ كان يفضِّله على سائر أولادِه، ويُؤْثرُه عليهم لذلك.

وإنَّما قالوا: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} بآثارٍ تظهرُ عندَهم، وإلَّا فحقيقة المحبَّة لا تُعرَفُ (١).

وقال الإمامُ القُشيريُّ رحمه اللَّه: لمَّا اعترضوا بقلوبِهم على أبيهم في تقديم يوسفَ عليهم في المحبَّة، عاقبهم الحقُّ سبحانَه بتركهم حتَّى بسطوا في أبيهم بلسان اللَّوم فوصفوه بالضَّلال، وهو مِن المحال، وإنْ كان المرادُ منه هو الذَّهابَ في أمر يوسفَ بكلِّ حالٍ.

قال: ويُقال: لمَّا حَسدوا في تقديمِ أبيهِم يوسفَ عليهم لم يرضَ الحقُّ سبحانه وتعالى حتَّى أقامَهم بينَ يدَي يوسفَ، فخرُّوا له سُجَّدًا؛ ليعلموا (٢) أنَّ الحسودَ لا يسودُ.

قال: ويُقال: أطولُ النَّاسِ حزنًا وأدومُهم غُصَّةً مَنْ أرادَ تأخير مَن قدَّمَه اللَّه


= شيبة في "مصنفه" (٢٠١٣٥)، عن عائشة رضي اللَّه عنها. ولفظ "الموطأ": "عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة. . . ".
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٢١٠ - ٢١١).
(٢) في (ر) و (ف): "لعلم"، والمثبت من "لطائف الإشارات".