للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فنصحَ هذا القائلُ إلى الإخوة بهذا التَّدبير، وكان مقصدُه نقضَ رأيهم في القتل، وجرَّهم (١) عنه إلى الرَّأي الثَّاني بتسهيل ذلك السَّبيل إليهم، والعاقلُ إذا دُفِعَ إلى شرَّين (٢) اختارَ أهونَهما.

{فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} بالتَّعريف دون التَّنكير، له معنيان: يحتملُ أنَّهم أشاروا إلى بئرٍ قد عرفُوها في أسفارِهم، ويحتملُ أن يكون ذلكَ كقولِكَ: ارمِ به في الماءِ، لا تريدُ به ماءً بعينِهِ، إنَّما تريدُ به الجنسَ.

وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}؛ أي: إنْ كنتُمْ تريدونَ تمامَ تدبيرِكُمْ فافعلوا هذا، فليسَ لكم أوفقُ منه.

وقال الإمامُ أبو حسينٍ محمَّد بن يحيى البشاغري في "كتاب العصمة": إنَّ الأخوَّةَ تستصحِبُ الشَّفقةَ، لكنَّ الميلَ إلى حظِّ النَّفسِ ربَّما يَغلبُ على الشَّفقة فلا يقدرُ على استعمالِها، فيعاملُ أخاه معاملةَ الأجانب والشَّفقةُ على حالِها غير متلاشيَة، لكنَّها غيرُ عاملة، دليلُه قولُ أحدِهم للآخرين: {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ}، وهذا كلامٌ مِن هذا القائل على نظم الشَّفقة، وإجابتُهم له مبنيَّة على نظم (٣) الشَّفقة أيضًا، أنَّ مطالبتَهم حظوظَهم مِن أبيهم غلبَتْ عليهم، فلم يتركوه مِن غير أذًى ومكروهٍ، وألحقوهما به، ولم يخرجوا أيضًا بالإهلاك على الاستئصالِ؛ لأنَّ الإلقاءَ في الجبِّ مرجوٌّ منه الخلاص.

وقولهم أيضًا: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} عنَوا به: لفي خطأٍ بيِّنٍ؛ حيث لا يسوِّي


(١) في (ر): "زجرهم"، وفي (ف): "ومرهم"، ولعل الصواب المثبت.
(٢) في (ف): "شيئيين".
(٣) "نظم" من (ف).