للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للخلقِ؛ ليكون ذلك أسرعَ إلى الإجابة لهم، فإذا كانوا من أهل البوادي لا يظهرُ ذلك للخلقِ.

والثَّالثُ: أنَّه يرادُ من الرِّسالةِ إظهارُها للخلْقِ في الآفاق من الأمصار، وهي الأمكنة الَّتي ينتابُها النَّاسُ في التِّجارات وأنواعِ الحاجات من الأطراف، وأمَّا البوادي فالبوادي ليس يدخلُها ولا ينتابُها إلَّا الشَّاذُّ مِن النَّاس، ولا تُقضَى فيها الحوائِجُ، فلا تظهرُ في الخلق الرِّسالةُ وما يُراد بها (١).

* * *

(١١٠) - {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}.

وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}: أي: وما أرسلنا قبلَك إلَّا رجالًا مثلَك يبلِّغون الرِّسالة ويوضِّحون الدلالة، حتَّى إذا استيأس هؤلاء الرُّسلُ مِن إيمان قومِهم. كذا فسَّرته عائشةُ رضي اللَّه عنها (٢) وقتادة وجماعة (٣)، وذلك يكون بظهورِ العِناد (٤) أو بإخبار اللَّه تعالى.


(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٢٩٨).
(٢) رواه البخاري (٣٣٨٩). ولفظه: عن عروة أنَّه سأل عائشة رضي اللَّه عنها، زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أرأيت قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أو كُذِبوا؟ قالت: "بل كذَّبهم قومهم"، فقلت: واللَّه لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم، وما هو بالظن، فقالت: "يا عرية لقد استيقنوا بذلك"، قلت: فلعلها: أو كُذِبوا، قالت: "معاذ اللَّه، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، وأما هذه الآية، قالت: هم أتباع الرسل، الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأست ممن كذبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعهم كذَّبوهم، جاءهم نصر اللَّه".
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (١٣٤٥)، والطبري في "تفسيره" (١٣/ ٣٩٧).
(٤) في (أ): "الفساد"، وفي (ف): "العباد".