للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}: قرأ عاصم وحمزة والكسائيُّ بالتَّخفيف، والباقون بالتَّشديد (١).

وللتَّشديد وجهان:

أحدُهما: وظنَّ الرُّسلُ -أي: أيقنوا- أنَّ الأممَ كذَّبوهم تكذيبًا لا يؤمنون بعدَه، وهو قول الحسن وجماعة (٢)، والظَّنُّ يكون بمعنى اليقين، كما قال الشَّاعر:

فقلْتُ لهم ظُنُّوا بألفَيْ مُدَجَّجٍ... سَرَاتُهُمُ في الفارِسِيِّ المُسَرَّدِ (٣)

والثَّاني: وظنَّ الرُّسلُ حقيقةَ الظَّنِّ دونَ اليقين أنَّ مَن آمنَ بهم كذَّبوهم أيضًا حين تأخَّر النَّصرُ عنهم. وهو قولُ عائشةَ (٤) وقتادة.

وتقديرُ الآية: حتَّى إذا قنط المرسلون عن إيمان مَن كذَّبهم إلى الآن، وظنُّوا (٥) أيضًا أنَّ الَّذين صدَّقوهم وآمنوا بهم ثمَّ امتدَّ بهم البلاء وتأخَّر الفرج والرَّجاء كذَّبوهم أيضًا = أتاهم (٦) نصرنا.


(١) انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد (ص: ٣٥١)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٠).
(٢) رواه عن الحسن الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٣٩٧).
(٣) البيت لدريد بن الصمة. انظر: "ديوانه" (ص: ٤٧)، و"الأصمعيات" (ص: ١٠٧)، و"جمهرة أشعار العرب" (ص: ١٨٠)، و"خزانة الأدب" للبغدادي (١١/ ٣٠١). قال البغدادي: المدجج بفتح الجيم وكسرها: الكامل السلاح، وقيل: بالكسر للفارس وبالفتح: الفرس، وإنهم كانوا يدرعون الخيل. و (سراتُهم) بالفتح: أشرافهم، مبتدأ و (بالفارسي) خبره، والباء بمعنى في. والدرع الفارسي يصنع بفارس. والمسرد: المُحكم النسج، وقيل: هو الدَّقيق الثقب.
(٤) رواه البخاري، وقد تقدم قريبا.
(٥) في (أ): "أن قنطوا" بدل: "الآن وظنوا".
(٦) في (ف): "جاءهم".