للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

زيدٌ وجهُه حَسَنٌ، ثم قوله: {لَا يُؤْمِنُونَ} كلامٌ تامٌّ فيه (١) تأكيدٌ لقوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} وبيانٌ له.

ثم هذا تخفيفٌ على النبيِّ (٢) -صلى اللَّه عليه وسلم- وتفريغٌ لقلبه، حيث أَخبره عن حالِ هؤلاء في الابتداء بما أَخبر نوحًا -صلواتُ اللَّه عليه وعلى سائر الأنبياء- في الانتهاء؛ فإنه تعالى قال لنوحٍ بعد طولِ الزمان ومقاساةِ الشدائدِ والأحزان: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦]، فدعا بهلاكهم بعد ذلك، وكذلك سائرُ الأنبياء.

وفي الآية: معجزةٌ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث أَخبر أنهم لا يؤمنون، فكان كما أَخبر، وهذا غيبٌ لا يطَّلع عليه بشرٌ إلا بإطْلاع اللَّه تعالى، واللَّه (٣) عزَّ وعلا لا يُطْلع على الغيب إلا مَن اختصَّه بالرسالة قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦ - ٢٧].

وفي الآيةِ: إثباتُ فعلِ العباد؛ فإنه قال: {لَا يُؤْمِنُونَ}، وفيه إثباتُ الاختيارِ ونفيُ الإكراهِ والإجبار؛ فإنه لم يقل: لا يستطيعون، بل قال: {لَا يُؤْمِنُونَ}.

فإن قالوا: لمَ قال: {لَا يُؤْمِنُونَ}، وترى (٤) بعضَ الكفارِ يؤمنون؟

قلنا: ليس هذا في حقِّ كلِّ كافر، بل في حقِّ قومٍ بأعيانهم، وقد بينَّاهم.


(١) في (ف): "وفيه".
(٢) في (ف): "تخفيف للنبي".
(٣) في (ف): "وهو".
(٤) في (أ): "ونرى".