للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قالوا: لمَّا (١) عَلِم اللَّه أنهم لا يؤمنون، فلمَ أَمر النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بدعائهم إلى الإيمان (٢)؟

قلنا: كان الإنذارُ للإعذار، قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} الآية [طه: ١٣٤].

فإن قالوا: لمَّا أَخبر اللَّهُ تعالى رسوله أنهم لا يؤمنون، فهلَّا أهلكهم كما أهلك قومَ نوح بعد ما أخبر أنهم لا يؤمنون؟

قلنا: لأن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان رحمةً للعالمين كما ورد به الكتاب، وقد قال اللَّه تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: ٣٣].

وقال الإمام القُشيريُّ: مَن كان في غطاءِ وصفه (٣) محجوبًا عن شهودِ حقِّه فسِيَّانِ عنده قولُ مَن دلَّه على الحقِّ وقولُ مَن أعانه على استِجْلابِ الحظ، بل هو إلى داعي الغفلةِ أميلُ، وفي الإصغاءِ إليه أَرغبُ.

وكما أنَّ الكافر لا يَرْعَوِي عن ضلالته لِمَا سَبق من شقاوته، فكذلك المربوطُ بأغلالِ نفسه محجوبٌ عن شهودِ غَيبه وحقِّه، فهو لا يُبصِرُ رُشْدَه ولا يَسلُكُ قَصْدَه.

وقال أيضًا: إنَّ الذي بقيَ في ظلماتِ رعونته (٤) سواءٌ عنده نصحُ الراشدِينَ وتسويلاتُ المبْطِلين؛ لأن اللَّه تعالى نزعَ عن أحوالهِ بركاتِ الإنصاف، فلا يُصغي إلى داعي الرَّشاد، كما قيل:


(١) في (ر): "قد".
(٢) "إلى الإيمان": ليس في (أ) و (ف).
(٣) في (ف): "صفته"، والمثبت من (أ) و (ر)، وهو الموافق لما في "اللطائف".
(٤) في (ف) و (أ): "دعاويه" وفي (ر): "دعا ربه"، والمثبت من "اللطائف".